الأرز «المحموص» .. وجبة تتحول إلى تراث شعبي

الأرز «المحموص» .. وجبة تتحول إلى تراث شعبي

تتميز قرى محافظة القطيف بالعديد من الموروثات الشعبية، التي حافظ عليها سكان القرى تحديداً من جيل إلى آخر منذ الأجداد في القدم ولا يزالون يحافظون عليها. ورغم الكثير من الحداثة والتطور التي طالت تلك القرى إلا أنها حافظت على هوية تلك الموروثات وحفظتها من الاندثار، ولا سيما ما تنفرد به من خصوصية. ويعد الأرز ''المحموص'' أكلة شعبية خاصة يتفرد بإعدادها أهل القطيف دون سواهم، خاصة سكان جزيرة تاروت الذين تفوقوا في إعدادها وتميزوا بنكهة خاصة ليس لها مثيل وعرفت وجبة الأرز ''المحموص'' باسمهم ''المحموص التاروتي'' الذي يعد ألذ وأجود أنواع ''المحموص'' ويمتاز بطعم ونكهة فريدة من نوعها. وقبل 40 عاماً كانت تعد هذه الوجبة بدون الإيدام. وانتقلت هذه الوجبة سريعاً إلى البحرين والعراق وأصبح بعض سكانها يعدون هذه الوجبة بعد أن تناقلها الناس واستحسنوا مذاقها الفريد.
وتشتهر نساء قرية سنابس بإعداد ''المحموص''، فأغلب نساء سنابس يتقن طهيه من خلال وصفتهن السحرية الخاصة واستخدام أساليب وإضافات مميزة، والتتبيل بخلطات البهارات الذي يمنح الأرز ''المحموص'' طعماً يتميز به.
ويعتبر الأرز ''المحموص'' وجبة شعبية ترتبط بتقاليد خاصة بمنطقة القطيف، وجرت العادة على أن يتم طهيها بصورة جماعية لدى مجموعة من نساء الفريج والحارات الشعبية التي لا يزال أهلها متآزرين ومترابطين ويجمعهم العمل الجماعي، خاصة إذا كان هذا العمل مرتبطا بشعيرة بالموروث، فتجد النساء يتجمعن في الصباح الباكر ويقمن بتقشير وتقطيع البصل الذي يكون بكميات كبيرة جداً ويحتاج إلى الكثير من الجهد والعمل الشاق، إلى جانب أن هناك أيضاً مجموعة من الرجال يتفقون على مكان يحدد خصيصاً لطهي وجبة الأرز ''المحموص'' في شوارع الفريج كظاهرة موسمية.
وحول هذه الوجبة الشعبية، قال علي الدرورة الباحث التاريخي في محافظة القطيف: ''عرفت قرى المحافظة بمشاركة مجاميع الشباب إلى جانب كبار السن المشهورين بإعداد الأرز في أعمال الطبخ من تقطيع البصل، أو سكب الأرز في أطباق التقديم فيما يسمى بـ ''المضيف'' بعد إعداده مباشرة، أو توزيعه على البيوت والمارة في الشوارع، في صورة جميلة تعكس مدى التلاحم والارتباط وحب فعل الخير للمجتمع، وتحول طبخ الأرز سواء كان ''محموصاً''، أو غيره من الطبخات الأخرى في المواسم بمحافظة القطيف مع مرور الزمن من عمل فردي إلى عادة تطوعية، وإرث شعبي يتناقله الأجيال جيلاً بعد جيل، إلى أن تفرعت منه كثير من الأعمال التطوعية الأخرى في المحافظة خاصة تلك الأعمال المرتبطة بالضيافة والكرم، حيث كنا في صغرنا نجول في الفريج ونحمل أطباق الأرز المحموص الذي تعده أمهاتنا ونوزعه على الجيران''. وأوضح أن الحداثة طالت هذا العمل التطوعي حتى أصبح الآن بشكل لجان شبابية تعمل بشكل متآزر لتوفير كل المستلزمات وجمع التبرعات وتهيئة مكان خاص للطبخ ووضع الطاولات من أجل توزيعه في صحون البلاستيك إلى جانب المشروبات الساخنة والباردة والمرطبات.
والأرز المحموص يتكون من الأرز وكمية كبيرة جداً من البصل والليمون الأسود الجاف والزيت والإيدام سواء سمكا أو دجاجا أو ربيانا أو لحما.
ويتم إعداده من خلال تحميص كميات البصل المقطعة شرائح بالزيت في قدور عميقة وكبيرة جداً حتى يصبح لونها بنيا غامقا ويضاف إليه الليمون الأسود والإيدام ويتم تحميصه سوياً حتى يكتسب الإيدام اللون الذهبي، ومن ثم يتم إضافة الأرز ويضاف إليه الماء بحسب كمية الأرز ويبقى ليطبخ على نار هادئة مدة نصف ساعة أو أكثر بحسب كمية الأرز حتى ينضج ويقدم ساخناً بجانب طبق السلطة المصاحبة له والمكونة عادة من أوراق الجرجير والطماطم والفجل الأحمر.

الأكثر قراءة