احفظي هذا الرقم 1919
يصادف غداً الإثنين 25 نوفمبر إعلان الأمم المتحدة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، الذي دعت فيه الحكومات والمنظمات الدولية والمؤسسات الأهلية إلى زيادة الوعي العام بتلك الظاهرة.
عندما أطلقنا مبادرة "الشريط الأبيض" بداية هذا العام، كانت الرسالة واضحة: مساندة الرجل لمبدأ إنهاء العنف ضد المرأة بكل أشكاله الجسدية والجنسية واللفظية والنفسية. الهدف هو تثقيف الأطفال والشباب في سن مبكرة بضرورة احترام المرأة وتغيير المواقف السلبية تجاهها وعدم تعريضها للإيذاء. كذلك طالبنا مجلس الشورى بضرورة سن قوانين تكفل حقوق المرأة وتوفر لها الحماية من كل أشكال الابتزاز والعنف.
انهالت رسائل التهديد والوعيد، واصفة المبادرة بالتغريب، ومفردات أخرى يعجز اللسان عن ذكرها هنا.
الاعتراض الأكبر جاء بعد وصفنا للمُعَنِّف بأنه "إنسان" مهووس، يبرر سلطته من اقتناعه بتفوقه اجتماعياً على المرأة، وسعيه لفرض سلطته ورغبته في إذلالها وإهانتها وإضعاف إرادتها.
دوافع الاعتراض على "الشريط الأبيض" هي نفسها دوافع العنف ضد المرأة؛ التراكمات الأيديولوجية ضد النساء بصفة عامة، وعدم اعتراف الحرس القديم المتشدد بالأهلية القانونية للمرأة.
قد يكون شكل ضرر العنف مادياً بممارسة القوة الجسدية بالضرب باليد أو استخدام أدوات حادة، أو معنوياً بتعمد إهانة المرأة بالسباب أو التجريح والتحقير، أو جنسياً في محاولة للتحرش والاستغلال الجنسي، أو اقتصادياً باستغلال ممتلكاتها، والتصرف في راتبها، أو تزويجها قاصراً، أو منعها من العمل وحرمانها من الميراث.
تتوالى حوادث العنف ضد النساء، وآخرها تحرش طبيب بزميلته في مستشفى خاص في الرياض، وتحرش الصِبْيَة بالفتيات في أحد مجمعات المنطقة الشرقية، ومُعَنَّفَة خميس مشيط التي تعرضت لكل أشكال العنف من زوجها. كيف ننسى الطفلة لمى التي فقدت حياتها في الخامسة من عمرها، وريم ذات الأعوام الستة التي تعرضت للتعذيب النفسي والجسدي على يد والدها وزوجته، والطفلة غصون التي قُتلت كضحية عنف أسري، والفك المفترس الذي قضم أنف زوجته أخيرا في جدة، ومُعنَّفة مكة التي استولى زوجها على أموالها وسَجَنَها ثم طردها من منزلها؟
ما يسعى إليه المُعَنِّف هو أن تشعر المرأة بالعجز والانطوائية، وأن تخاف من كل شيء محيط بها، وأن تفقد ثقتها بالآخرين وبنفسها. الهدف هو أن تصاب المرأة بالحزن والاكتئاب وتشعر بالدونية والعزلة فتستسلم قسرا لواقعها، وربما دفعها ذلك للانتحار.
لا توجد وصفة سحرية يمكن من خلالها القضاء كلياً على العنف ضد المرأة. اقترحت على السيد نبيل العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربية في شباط (فبراير) من هذا العام إنشاء مركز على مستوى العالم العربي لرصد ودراسة وإحصاء حالات العنف ومعاقبة المتحرشين، والوقوف في وجه كل من يحاول المساس بكرامة أو إهانة المرأة، ورحّب بالفكرة، الخطوة التالية هي التواصل مع الجامعة للبدء في تفعيل المشروع.
ما بالنا لم نصدر إلى الآن مدونة الأسرة؟ لماذا تأخرنا في تفعيل قرار إنشاء المحاكم الأسرية، وتأهيل قضاة للحكم في قضايا الأحوال الشخصية، وتزويد هذه المحاكم بلجان نسائية متخصصة في الشريعة والقانون؟ لماذا يمنع "الحرس القديم المتشدد" المدارس والمساجد والإعلام من تصحيح بعض المفاهيم المغلوطة للنصوص الدينية التي أسهمت بشكل أساسي في زيادة معدلات العنف ضد المرأة وممارسة التمييز ضدها؟
ديننا الحنيف يدعو إلى الإنسانية والمحبة والمساواة والعدل والسلام، ولا يقبل التعدي على المرأة بأي شكل من الأشكال.
لا تتعايشوا مع العنف، لنكن فاعلين، احفظوا هذا الرقم (1919) وبلّغوا عن حالات العنف الأسري التي تتعرض لها المرأة. حان الوقت لتصحيح أوضاعنا الداخلية، ولنطبق تعاليم الإسلام في حياتنا اليومية.
لعلكَ تتذكر وتتفكر أنكَ تخرج للحياة من رحم امرأة.. وتكمل دينكَ بسبب امرأة.. والجنة تحت أقدام امرأة.
* عضو جمعية الاقتصاد السعودية