بين حرية الشعر وانتهاك حقوق "الوجدان"

بين حرية الشعر وانتهاك حقوق "الوجدان"

[email protected]

هل فكر أحد بالمطالبة بهيئة لحماية حقوق "الوجدان" ونحن في حالة عولمة أدبية غير محدودة الجوانب وغير مأمونة العواقب؟ أمرُ جميل أن يكتب أحدنا عملاً أدبياً أو مقالاً، ولكن عليه أن ينتظر ويحسب ألف حساب قبل أن ينشر كتاباته، إذا كان يفكر جدياً في الاحتفاظ بحقه المشروع في أن يكون هو الكاتب الحقيقي لإبداعه الخاص، وإذا لم يكن يفكر بذلك فعليه فقط أن ينسى الموضوع وينشر موضوعاته في الإنترنت وعلى رسائل الجوال وعلى حبال الغسيل إذا أراد، دون أن يكون له الحق في مساءلة أحد عن أي شيء ، بل عليه ألا يستبعد كذلك أن يرى نفسه يتحول بقدرة قادر من كاتب للموضوع إلى قارئ له يبدي آراءه وانطباعاته حتى لو كان ذلك على طريقة "من اللي سمح لك تاخذ موضوعي"؟
بالتأكيد لم يسمح له أحد سواك يا صديقي عندما اعتمدت على وسائل غير رسمية، ونشرت أعمالاً لن يغنيها أنك تحلف بامتلاكك لها عن التوثيق في وسيلة إعلام أو كتاب ، ومادمت لا تملك الدليل على ملكيتك فمن باب أولى ألا يملك الآخرون دليلاً على سرقتك!
ولنعد إلى الشعر فمنذ اللحظة الأولى التي سولت لي كتابة القصيدة وأنا أستفيد من تجارب الآخرين الذين يقولون لي دائما "القصيدة ملك خاص للشاعر وبمجرد أن يقولها تصبح ملكاً عاماً للجميع"، وطبعاً كنت أفهم ذلك في سياقه الفني بعيد المدى، ومن منطلق علاقة الشاعر بالمتلقي والمجتمع، ولكن فيما بعد تأكدت أن هذه العبارة يمكن تطبيقها كذلك من سياق واقعي خصوصاً في وجود الكثيرين الذين يفهمون هذه العبارة بشكل آخر "أكثر عملية"!
مسألة الانتشار تحمل بعداً جميلاً ولاسيما لأصحاب الرسائل الجمالية والأهداف التذوقية الذين لا يعنيهم كثيراً من يقرأ قصائدهم ومن يسرقها، وبالتالي فلن يكونوا بالدرجة نفسها من القهر الذي شعرت به وأنا أرى نصوصاً في منتديات متنوعة وبأسماء مختلفة وبفيض لا بأس به من عبارات المجاملات وثقافة "الواو" و الـ "يسلمو"، بينما كان شعراؤها المفترضون الذين صح لسانهم زوراً، يبدون سعادتهم بتفاعل الأعضاء ويتحدثون عن قصة القصيدة وأجوائها الوجدانية، ويؤكدون لهم أن القادم أحلى "والله أعلم ناوين على إيش"؟
وبصراحة وقتها كان شعوري هو شعور أي كاتب وجد نفسه فجأة مسلوب الإرادة أمام نص تجمعه معه عيش وملح وأوراق، وأعترف بأنني تمنيت أن يلامس وجدان الآخرين ولكن ليس إلى هذه الدرجة، وتخيلت أن أحداً ما سيقرؤها ويتمنى لو كان هو شاعرها، ولكن لم أتخيل أن أحداً سيحقق هذه الرغبة بشكل ما!
ومابين المثل الذي يقول "يا غافل لك الله"، وحقيقة القانون الذي لا يحمي أصحاب النوايا الحسنة، اقتنعت بصعوبة تدارك الأمر مع كثرة المنتديات ورسائلها الإدارية على نحو "عفوا لا يمكنك الدخول إلا بالتسجيل"! وعلى كل حال يبقى الأمر مطمئناً إلى حد ما طالما أنه لم يحدث في مطبوعة رسمية ، ولكن السؤال الذي بقي يراودني لماذا يصادر حق المبدع بهذا الشكل، ولماذا لا يستفيد من جمالية ذلك الانتشار - غير المسؤول- على الأقل من باب كونه أولى الناس به!
لم يمض كثير من الوقت على تساؤلي ذلك عندما وصلتني رسالة على جوالي، وإذا بها أربعة أبيات لي لا أذكر أنني أرسلتها لأحد – في أحسن الاحتمالات- اتصلت على المرسل لأسأله إن كان يعرف قائلها فقال لي إنه لا يدري! سألته من أين وصلته فقال لي "من واحد ما تعرفه يا أخي .. المهم وش أخبارك أنت"!

الأكثر قراءة