ترجيح تثبيت سقف إنتاج «أوبك» عند 30 مليون برميل يوميا
يجتمع غدا في العاصمة النمساوية فينَّا، وزراء النفط في 12 دولة، يهيمنون مجتمعين على قرابة ثلث الإنتاج العالمي من المصدر الرئيس للطاقة، ألا وهو النفط.
الاجتماع هو رقم 164 لمنظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك"، التي تأسست في مطلع الستينيات، هو أيضا الاجتماع الأخير لهذا العام؛ لكن أهميته هذه المرة تنبع من تطورات سياسية واستراتيجية إقليمية يشهدها الشرق الأوسط، ويتوقع أن يكون لها تأثيرات مستقبلية في أسواق النفط أسعارا وإنتاجا.
وقال لـ "الاقتصادية" الدكتور محمد منصور، خبير النفط العالمي والمستشار في البنك الدولي: إن هناك عددا من القضايا المحورية ستناقش في هذا الاجتماع، أبرزها مطالب بعض الأعضاء بتعديل سقف الإنتاج، ويدخل في ذلك المسعى الإيراني الراهن لزيادة حصتها الإنتاجية.
والقضية الأخرى موضوع رئاسة المنظمة، ومن سيخلف عبد الله البدري أمينها العام الحالي الليبي، الذي تم التمديد له مدة عام تنتهي في الاجتماع الراهن. وقال منصور: "سيتطرق المجتمعون غالبا لقضية النفط الصخري، الذي تتزايد كميات إنتاجه في أمريكا، وتأثير ذلك في أسعار النفط".
وتشير أغلب التوقعات إلى أن "أوبك" ستحافظ على سقف إنتاجها الراهن، البالغ 30 مليون برميل يوميا، خاصة أن إنتاجها الفعلي أقل من السقف المحدد، جراء الأوضاع الأمنية المضطربة في ليبيا، التي أدت إلى انخفاض الإنتاج الليبي من 1.5 إلى 250 ألف برميل يوميا.
كما أن الاضطرابات، وسرقة النفط على نطاق واسع، والحوادث المتكررة لتفجير أنابيب النفط في نيجيريا؛ أدى لهبوط الإنتاج في حقل بونجا، التابع لشركة رويال داتش شل.
وتعتبر العديد من البلدان المشاركة في الاجتماع، وخاصة السعودية، أن 100 دولار للبرميل سعرٌ عادل للمنتجين والمستهلكين، ويسمح بتحقيق الاستقرار في السوق العالمية؛ وهي سياسة شهدت إشادة بين عدد من الاقتصاديين الدوليين، من بينهم جاسون شنكر المستشار الاقتصادي السابق للحكومة البريطانية.
وقال شنكر لـ "الاقتصادية": "هذه السياسة تسمح بإيجاد توازن في سوق الطاقة العالمي، فهي تضمن عدم تحوّل كبار المستهلكين للنفط عنه، والبحث عن بدائل أخرى للطاقة، كما تسمح أيضا بعدم إيجاد ضغوط سعرية في الاقتصاد الدولي، خاصة في مرحلة التعافي من آثار الأزمة المالية عام 2008م".
وذكر جاسون، أن أسعار مزيج "برنت" للنفط انخفضت من 147 دولارا للبرميل قبل الأزمة المالية في 2008م إلى 39 دولارا للبرميل في غضون ستة أشهر، وهو ما دفع "أوبك" لخفض إنتاجها 14 في المائة في اجتماع كانون الأول (ديسمبر) 2008م، وتحافظ المنظمة على سقف إنتاج 30 مليون برميل منذ كانون الأول (ديسمبر) 2011م. وأظهر، مسح أجرته وكالة "رويترز" أخيرا، أن إمدادات المعروض من المنظمة بلغت 29.64 مليون برميل يوميا في المتوسط، وأنها انخفضت عن تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، الذي قدّر بـ 29.70 مليون برميل يوميا.
وكان وزير النفط الكويتي مصطفى الشمالي، توقع عدم تغيير "أوبك" مستوى إنتاجها، وبرر هذا في حديثه لوسائل الإعلام بأنه "يلبي حاليا احتياجات المستهلكين، وهذا أمر كاف".
ويتوقع مراقبون أن تسعى إيران في اجتماع الغد، لتعديل حصص الإنتاج، لزيادة نصيبها المتراجع في الأسواق، جراء العقوبات الدولية عليها.
وكان تأثير العقوبات قد برز تحديدا في العام الماضي، إذ تشير التقديرات إلى انخفض إنتاج طهران من 2.5 مليون إلى مليون برميل يوميا، ليبلغ حجم خسائرها السنوية 80 مليار دولار.
وقال الخبير النفطي، أندروا كارتشول، تعليقا على هذا: "سيكون هناك مناقشات بهذا الشأن، لكن لا أعتقد أن الوضع الراهن سيتغير، فالعقوبات لم ترفع عن الإيرانيين، وهم في مرحلة اختبار دولي؛ كما أن طهران ربما تسعى لإرسال رسائل دبلوماسية لبلدان الخليج، حول أنها تريد فتح صفحة جديدة، لكنها لم تقم بشيء عملي حتى الآن".
وتوقع كارتشول أن تتحالف إيران مع فنزويلا، وربما أيضا أنجولا، لممارسة الضغوط على منظمة "أوبك" لزيادة الحصة الإيرانية، "لكن الجميع يعلم أن القول الفصل هو ما ستقرره الرياض".
وأكد أن زيادة الإنتاج الإيراني "لن تكون في مصلحة باقي البلدان اقتصاديا"، إذ سيؤدي لانخفاض الأسعار، خاصة إذا واصلت أمريكا زيادة إنتاجها من النفط الصخري.
وكان الإنتاج الأمريكي من النفط الخام، زاد هذا العام بنحو 45 ألف برميل، ليصل إجمالي الإنتاج إلى 8.02 مليون برميل يوميا في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، وهو الأعلى منذ عام 1989م، وفقا لبيانات وكالة الطاقة الدولية.
وارتفعت المخزونات الأمريكية في كوشينج في ولاية أوكلاهوما، وهي أكبر مركز لتخزين النفط في الولايات المتحدة، ونقطة التسليم لعقود خام غرب تكساس؛ إلى 40.6 مليون برميل، وهذا أعلى مخزون منذ شهر تموز (يوليو) الماضي.
وزاد المخزون الأمريكي من النفط على المستوى القومي بنحو 2.95 مليون برميل، ليصل الإجمالي حاليا إلى 391.4 مليون برميل.
وقد يشهد اجتماع "أوبك" أيضا منافسة محتدمة بشأن منصب رئيس المنظمة، وهو منصب يحظى بتقدير دولي كبير؛ بعد تمديد مدة الرئيس الحالي، عبد الله البدري، مدة عام إضافية من قبل أعضاء المنظمة.
وتشهد المنظمة منافسة بين مرشح السعودية، الدكتور ماجد المنيف، الأمين العام للمجلس الاقتصادي الأعلى؛ ووزير النفط الإيراني الأسبق غلام، حسين نوذري، المعروف بتوجهاته المحافظة؛ كما قدمت العراق مرشحا، وهو وزير النفط الأسبق تامر الغضبان.
وقال جيمس بويلي، الصحفي السابق في صحيفة "فاينانشيال تايمز"، والمتابع لأسواق النفط: "العراق يسعي لأن يكون له موطئ قدم في الساحة الدولية، ومنصب رئاسة "أوبك" خطوة على الطريق؛ لكن لم يكن من المتوقع أن ترشح بغداد أحدا من جانبها لرئاسة المنظمة في الوقت الراهن".
وأضاف، أن ترشيح العراق "أوجد شكوكا بأن هذا تم بالتنسيق مع الإيرانيين"، لإضعاف حظوظ المرشحين الآخرين، لكن في ظل هذا التنافس الحاد، فإن أحد الاحتمالات المطروحة هي التجديد مرة أخرى للرئيس الحالي، باعتبار ذلك حلا وسطا يبعد المنظمة عن النزاعات الداخلية، وفقا لبويلي.