حصة أكبر لنساء بريطانيا في وظيفة «ساعي البريد»
هذا الأسبوع تولى جيش من سعاة البريد تسليم بطاقات التهنئة بعيد الميلاد وطرود الهدايا عبر العالم الغربي، وهذا ليس مستغربا. على الرغم من أننا نعيش في عصر إلكتروني، سيظل كانون الأول (ديسمبر) ينتج حملات بريدية ضخمة في أمريكا الشمالية وأوروبا.
لكن من جانب معين، هناك فرق لم يلاحظه كثيرون في هذه الحملة على جانبي الأطلسي. إذا كنتَ تعيش في بريطانيا، فإن الشخص الذي يحمل إليك بطاقات عيد الميلاد رجل على الأرجح. ففي الوقت الحاضر 90 في المائة تقريباً من سعاة البريد من الرجال، وهي نسبة لم تشهد تغيراً يذكر منذ عقود.
في العادة لا يثير هذا أي تعليق. فالأطفال في بريطانيا ينشأون وهم يشاهدون برامج مثل "ساعي البريد بات"، التي تأخذ على محمل التسليم بأن توصيل البريد مهنة يقوم بها الرجال. والواقع، على حد علمي، لم يقترح أي شخص إيجاد شخصية "ساعية البريد باتريشيا".
لكن في واقع الأمر ليس من الحتمي أن يتم تسليم البريد على أيدي الرجال. في كندا، تقريباً نصف سعاة البريد من النساء، وفي الولايات المتحدة تبلغ النسبة 40 في المائة (وهي أعلى في المناطق الريفية).
وهذا موضوع يحسن بمويا جرين، الرئيسة التنفيذية لهيئة البريد الملكي في بريطانيا، أن تتدبره جيداً. عُيِّنت جرين في منصبها قبل ثلاث سنوات، بعد أن تشكلت حياتها المهنية في كندا. وكانت تعلم أنها ستمر ببعض التغيرات نتيجة لعبور الأطلسي، إذ لم يسبق قط أن كان للبريد الملكي رئيسة تنفيذية، فضلا عن أن هناك عددا قليلا للغاية من الزعيمات في الشركات البريطانية الكبيرة. لكن التناقض الصارخ في أنماط النوع عند جذور النظام البريدي أدى إلى أن تشعر حتى هي بالمفاجأة.
هذه الأيام تعترف جرين بأنها شعرت بالحيرة إلى حد ما من السبب وراء استمرار هذا النمط. مثلا، في حالة البريد الملكي كان من المفترض أن الرجال هم من ناحية طبيعية أفضل لهذا النوع من الأعمال، لأن النساء يفتقرن إلى القدرة الجسدية اللازمة لحمل الطرود البريدية عدة أميال أثناء الطقس البريطاني السيئ. كذلك كانت هناك مخاوف من أن النساء ربما يكنَّ عرضة للأذى إذا كنَّ يسافرن وحدهن إلى مناطق نائية.
لكن يصعب الآن الاقتناع بهذه الحجج، بالنظر إلى أن موظفي التسليم يدفعون العربات أو يتنقلون في باصات صغيرة. ثم إن هذه القضايا لم تحُل بين النساء وتسليم البريد في كندا أو الولايات المتحدة، ناهيك عن أن الطقس هناك يمكن أن يكون أقسى بكثير.
على العكس، كان النساء في أمريكا يتعاملن مع البريد ويتولين إدارة مكاتب البريد منذ القرن التاسع عشر. وحتى في عهد بعيد هو عام 1906، صرح جورج كورتيليو، المدير العام للبريد، بأن دور "ساعيات البريد" هو دور "نظيف ومشرف" للنساء.
أحد أسباب التباين مع بريطانيا ربما تكون النقابات، إذ يغلب على ظن بعضهم أن النقابات كانت تقاتل في سبيل الحفاظ على الوظائف وممارسات العمل على نحو جامد إلى حد كبير، ما يعني أن الأجيال الأكبر سناً من سعاة البريد يظلون في أماكنهم. لكن هناك تمايز آخر، وهو أنه خلال مجرى القرن العشرين أصبح يُنظَر إلى الخدمة البريدية الأمريكية على أنها مكان جيد للمهاجرين والأقليات العرقية للعثور على وظائف فيها، وهو ما اضطر الناس إلى إعادة التفكير في الأنماط الجامدة.
وعلى أي حال، ربما كان أهم سؤال ينبغي أن نسأله هو ما إذا كان هذا الانشقاق عبر الأطلسي قابلاً للالتئام الآن.
ومن المؤكد أن جرين تحاول القيام بذلك، إذ يعمل البريد الملكي الآن مع مستشارين للعثور على سبل للتصدي لما يصفه كاي كليمنتس، مدير التوظيف في البريد، بأنه "نقص في الثقة" بين ساعيات البريد البريطانيات. كذلك يسعى البريد بصورة نشطة لتوظيف عاملات في صفوفه ويمتدح طبيعة العمل الصديقة للعائلة. كما أن جرين، الصريحة بخصوص مساندتها لحصص النوع بين الرجال والنساء في الإدارة العليا، كانت تجتذب مزيدا من النساء إلى الطبقات العليا في البريد الملكي. وما يؤكد ذلك أن نسبة النساء في مجلس الإدارة تبلغ 36 في المائة.
لكن على الرغم من الالتزام بتحسين التوازن بين الرجال والنساء عبر جميع مجالات أعمال البريد، لا يتوقع أحد حدوث تغير سريع عند الجذور خلال فترة قريبة، أو ليس خلال بقاء النقابات قوية إلى هذا الحد، وبالتالي تشعر بالتوتر الشديد بعد عملية تخصيص البريد الملكي، المثيرة للجدل إلى حد كبير.
بالتالي، في المرة المقبلة التي تتلقى فيها بطاقة تهنئة بعيد الميلاد، فكر فيمن سلمها إليك – ثم تأمل في الكيفية التي يمكن فيها للأنماط الثقافية أن تشكل أدوار الرجال والنساء، وغالباً بطرق لا نقوم حتى بملاحظتها على الإطلاق.