التشهير بالمنشآت المتورطة في التوظيف الوهمي
تباشر الجهات الرسمية- وفقا لصحف محلية- التحقيق في تورط 30 مدرسة أهلية في توظيف أكثر من ألفي معلم توظيفا وهميا، تم تسجيلهم في مسيرات رواتب هذه المدارس ونظام التأمينات الاجتماعية، برواتب لا تقل عن خمسة آلاف ريال، يتحمل صندوق تنمية الموارد البشرية 50 في المائة من رواتبهم.
ولعل الأمر يهون لو كانت هذه المنشآت شركات مقاولات أو صيانة، لكن الكارثة أن من يقوم بهذا الاحتيال- المتمثل في التوظيف الوهمي- هي مدارس يفترض منها أن تربي أبناءنا وبناتنا على الصدق والأمانة، فكيف يا ترى نأتمنها على تربيتهم؟
لو كنت مكان وزير التربية والتعليم ووزير العمل، فإنني سأبادر بعد انتهاء التحقيقات وثبوت تورط هذه المدارس في "التوظيف الوهمي" إلى التشهير بأسماء المؤسسات التعليمية، وحتى بالمعلمين الذين ارتضوا لأنفسهم هذا الحال، وباعوا أسماءهم بثمن بخس!
ذلك أن المتضرر الحقيقي من ظاهرة "السعودة الوهمية" هم الجادون في البحث عن عمل، الذين يطرقون أبواب المؤسسات والشركات، ويصدمون حين ترد عليهم بأن لديها اكتفاء من العمالة أو ليس لديها أصلا وظائف شاغرة. ألا يعلم مقترفو التوظيف الوهمي أن كل وظيفة من الوظائف الوهمية تعادل فرصة مهدرة في سوق العمل وقيمة ضائعة في اقتصادنا الوطني؟ ألم يكن الأجدى أن يشغل تلك الفرصة باحث أو باحثة جادة عن عمل؟ أي فرصة حقيقية تساعدهم على كسب الرزق، وتسهم في تخفيض معدل البطالة عندنا.
المشكلة أن من الأسباب التي تدعو إلى "السعودة الوهمية" أن سوق العمل السعودي لا تزال ترى في العامل الوافد الحل الأسرع والأرخص (بينما ترى في السعودي أنه "عبء ثقيل"!)، كما أن العامل الوافد يجد في سوقنا السعودية مزايا عديدة تنحاز إلى مصلحته، وهي:
- عدم وجود أي نظام ضريبي يستقطع من رواتب العمال الوافدين، بل لا يوجد أي نظام يستقطع من تحويلاتهم المالية إلى الخارج.
- إلزام صاحب العمل بتحمل جميع الرسوم الحكومية وحتى الخاصة المرتبطة بالعامل الوافد من التأشيرة إلى رخصتي العمل والإقامة، إلى الفحص الطبي والتأمين الطبي، بجانب تحمل نفقات النقل والسكن.
- إلزام صاحب العمل بتوفير التأمين الطبي للعامل الوافد.
- حرية تنقل العامل من صاحب عمل إلى آخر (نقل الكفالة أو الخدمات)، بل إن هذه الميزة ازدادت بعد تدشين برنامج "نطاقات"، حيث أجازت وزارة العمل لعمال المنشأة الواقعة ضمن النطاق الأحمر حرية التنقل إلى منشآت النطاق الأخضر دون موافقة صاحب العمل.
- التساهل في شروط استقدام العمالة الأجنبية دون التحقق من مؤهلاتهم، ما جعلنا نستقدم نسبة كبيرة من العمالة الأمية والرديئة (85 في المائة) تفتقر إلى الحد الأدنى من المهارات.
لكن من جهة أخرى نجد أن وزارة العمل تتحمل جزءا من مسؤولية انتشار ظاهرة "السعودة الوهمية"؛ لأنها تركز على منهج التوطين الكمي (كم سعوديا يعمل عندك؟)، وليس على منهج التوطين النوعي (ما وظيفة السعودي الذي يعمل عندك؟). فنحن يهمنا أن نرى أن معدلات التوطين في الشركات تبلغ 50 في المائة وأكثر، ولا يهم إن كانت تلك النسبة هي انعكاس لشباب سعوديين يعملون برواتب منخفضة، وفي وظائف إدارية دنيا لا تؤثر إطلاقا في اتخاذ القرارات ووضع السياسات في مدارسنا الأهلية ومؤسساتنا الخاصة!
كما أن برامج وزارة العمل- خاصة برنامج "نطاقات"- لا تراعي بين نسب ومتطلبات "التوطين" والظروف الاقتصادية والاجتماعية في كل منطقة من مناطق المملكة، وهذا في رأيي سبب آخر أفرز ظاهرة "السعودة الوهمية"، وأدى إلى انتشارها في بعض القطاعات (كقطاع التعليم الأهلي). فهل يعقل أن نطالب المدارس الأهلية مثلا في منطقة نجران أو تبوك بالنسب ذاتها للمدارس الأهلية في منطقة الرياض؟ فالتنمية في مناطق المملكة لم تكتمل، وبالتالي كل منطقة تختلف عن الأخرى اقتصاديا واجتماعيا.
إذا افترضنا جدلا أن برنامج "نطاقات" استطاع أن يرفع عدد الشباب والفتيات الداخلين إلى سوق العمل، فإنه في الحقيقة لم يسهم في تحسين نوعية وظائفهم، فنحن ما زلنا نعزف على وتر الكم، فمتى نعزف على وتر الكيف؟
إذا كان عدد السعوديين العاملين في القطاع الخاص يصل إلى 1,264,340 موظفا سعوديا من أصل 8,700,000 موظف وعامل؛ أي أن السعوديين (رجالا ونساء) يشكلون 14.4 في المائة من إجمالي القوى العاملة في القطاع، فإننا نتساءل عن نسبة السعوديين التربويين الذين يعملون في المدارس الأهلية؟ النسبة قليلة؛ لأن أغلبهم ينتظر فرصة عمل "حكومية" في وزارة التربية والتعليم؛ حيث سيتقدم "المعلم الأهلي" باستقالته حتى لو أعلن عن الفرصة الحكومية أثناء الفصل الدراسي وليس بعد انتهائه، دون مراعاة لتأثير تلك الاستقالة في سير العمل في المدارس الأهلية!
إننا نعود ونؤكد أهمية التشهير بالمؤسسات التي تتورط في "التوظيف الوهمي"، واعتبار أن التشهير عقوبة بجانب العقوبات الأخرى التي تفرض على المتورطين.
لماذا لا تنتهج وزارة العمل سياسة وزارة التجارة في التشهير بالتجار الذين يمارسون غشا تجاريا أو يتلاعبون بالأسعار، والتشهير كذلك بأولئك الذين يحررون شيكات بلا أرصدة؟ هل المدارس الأهلية التي تعمد إلى "التوظيف الوهمي" معصومة من التشهير لأن بعضها مدعوم من قبل مسؤولين حاليين أو سابقين في وزارة التربية والتعليم، ولهذا يتم التستر عليها وعلى مخالفاتها؟