معايير دولية جديدة لمواجهة التهرب الضريبي
ظهر أمس أول معيار دولي جديد للتبادل الآلي للمعلومات في المسائل الضريبية، وهو ما يعني من الناحية العملية قُرب نهاية السرية المصرفية إلى درجة ما، غير أنَّ الأمر لن يكون غداً. جاء المعيار إثر كشف منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية عن نموذجها في هذا المجال الذي ستعرضه على وزراء مالية مجموعة الـ 20 في غضون 10 أيام من اليوم.
وبموجب المعيار، سيكون مِن واجب الدول والحكومات فقط الحصول على المعلومات من المصارف والمؤسسات المالية على أرضها، وتبادلها تلقائياً مع الدول الأخرى على أساس سنوي، وفي كل الأحوال لن يتم تطبيق هذا النظام بأثر رجعي. ويُحدِّد المعيار المعلومات التي سيتم تبادلها، والمؤسسات التي ستخضع لتطبيق هذا المعيار، وأنواع الحسابات المصرفية، ودافعي الضرائب المعنيين بهذه القواعد، والإجراءات السريعة المعقولة التي يجب على المؤسسات المالية اتباعها.
وهكذا ستترتب التزامات دولية جديدة على المصارف، والمؤسسات المالية، ومستثمري الثروات، وأيضا الوسطاء الماليين، وهيئات الاستثمار الجماعي، وبعض أنشطة شركات التأمين، فإضافة إلى التفاصيل الكاملة المتعلقة بعملائها، يجب على المؤسسات المصرفية والمالية أن تُقدّم للدولة حالة الحساب، ومجموع الفوائد أو الأرباح المدفوعة. وتطول المعلومات الحسابات المملوكة من قِبل الأفراد العاديين، والمنظمات كالمؤسسات، وصناديق الائتمان، وصناديق الاستثمار، كما تُلزم المعايير تقديم معلومات عن الأفراد الذين يتحكمون في نهاية المطاف في المنظمات والمؤسسات والصناديق.
والهدف الأخير للمعيار الجديد، الذي وضعته منظمة التعاون والتنمية بالتشاور مع وزارء المالية في بلدان مجموعة الـ 20، مكافحة التهرب من دفع الضرائب الذي يحرم العديد من البلدان من الإيرادات الضريبية.
وسيتم عرض المعيار في اجتماع وزراء مالية مجموعة الـ 20 في 22 و23 شباط (فبراير) في سيدني لمناقشته قبل أن يرفعه الوزراء إلى قمة المجموعة التي تضم أغنى الدول في العالم.
أكثر من 40 بلدا التزمت بسرعة اعتماد هذا المعيار، ومِن جانبها أثنت سويسرا على عمل اللجنة المالية التابعة للمنظمة التي قالت إنها عملت بنشاط، وهو أول رد فعل لسويسرا يأتي على لسان وزارة المالية.
وبحسب ماريو تيور المتحدث باسم وزارة المالية، فالتفاصيل الدقيقة للمعايير تفي بالشروط الأربعة التي وضعتها سويسرا خلال المناقشات، مضيفاً أنَّ المعلومات المُرسَلة، أو المُتبادَلة، ستُستَخدم حصراً للأغراض المنصوص عليها في الاتفاق المبرم بين الدول، فضلا عن الحفاظ على سريتها، وحماية البيانات الواردة فيها، مشيراً إلى أنَّ تطبيق المعايير يستند إلى مبدأ المعاملة بالمثل، وأنها نصت على التعرف بطريقة موثوق بها على كل الأشخاص الذين سيطلعون على المعلومات، بما في ذلك جميع الهياكل القانونية التي قد تتعامل معها.
ووفقا للمتحدث، فإنَّ التعليقات التفسيرية للدول على هذه المعايير، والقواعد التنفيذية التفصيلية المتعلقة بها ستكون حاسمة في صياغة الشكل النهائي للمعايير وطريقة تنفيذها، مضيفاً أننا نسير على الطريق الصحيح، لكننا سنتابع عن كثب تفسيرات الدول، وشروحها لكيفية تطبيق المعايير. ووصف، تيور، الاتفاق بـ "النموذجي"، مؤكداً أنه يُوفِّر أساسا لاتفاقات ثنائية مع بلدان أخرى، بل حتى إبرام معاهدة دولية متعددة الأطراف، وأن الحكومة ستحتاج إلى وضع أساس قانوني لهذه المعايير، وهو أمر يتطلب موافقة البرلمان، أو حتى للشعب للاستفتاء. من جانبه، قال لـ "الاقتصادية"، آيمو برونيتي، أستاذ الاقتصاد في جامعة جنيف الذي يرأس فريق المختصين في المركز المالي السويسري، إنَّ تطبيق المعايير في سويسرا لن يتم قبل سنوات، مضيفاً أنَّه ينبغي للحكومة أن تُقرِّر أولاً تبنيها هذه المعايير، ثُمَّ دمجها بالقانون السويسري عندما تصبح عالمية، وفي التطبيق العملي الأمر قد يستغرق سنوات.
لكن ما هو مؤكَّد حتى الآن أنَّ رفع السرية المصرفية لن ينطبق إلَّا في العلاقات الدولية، ولن يكون لسلطات الضرائب السويسرية، من حيث المبدأ، الحق في إلقاء نظرة على الحسابات المصرفية للسويسريين أو الأشخاص المقيمين في البلاد، إلا إذا قررت الحكومة والدوائر الاتحادية إجراء تغييرات واسعة في التشريعات السويسرية، وهو أمر مستحيل، بحسب برونيتي.