في رواق بيان كانو

[email protected]

في دهاليز متحف "الرواق" في البحرين الذي تملكه وتديره السيدة الفاضلة بيان كانو, كتب كثيرة ملونة منتشرة على مد البصر تماماً كما ينتشر الأدباء والمفكرون في هذه القاعة الفسيحة الملامح الوسيعة الأفق. التقيت هنا يوم الأحد الماضي أناسا كثيرين وكان للرواق مذاق آخر، كنا على موعد جديد مع الكتب العربية التي ترجمتها الجامعة الأمريكية في القاهرة وطرحتها أمامنا بكل فخر وأناقة. "جاليري الرواق" كما يحلو للبعض أن يسميه هو الركيزة لجهود بيان البراك كانو لتأسيس مركز البحرين الدولي للثقافة والفنون. أستطيع أن أشبه "رواق البحرين" بجاليري "تاون هاوس" في القاهرة، و"بيت الثقافات العالمية" في برلين.
في الركن الأقصى من القاعة السيدة بيان بقامتها الممشوقة ونظراتها الهادئة ترحب بالجميع بابتسامتها المعهودة وضحكاتها المرحة. كانت بيان قد استضافتني العام الماضي لإلقاء كلمة عن إنجازات المرأة السعودية حيث التقيت يومها وجوهاً سمحة، حلوة وطرية. السيدة أحلام القصيبي صامدة كالصخر، كيف لا وابتسامة علي – رحمه الله - تملأ الجو ربيعاً ونقاوة. الدكتورة الصويغ رئيسة جامعة الخليج بحديثها المتزن وأناقتها المعهودة، أصدقائي المقربين جداً إيهاب ورنا من دوحة الظهران، وكذلك نادية الدوسري التي فازت بلقب أول سيدة أعمال سعودية هذا الأسبوع وغيرهم الكثير من الأصدقاء والزملاء.
باتريك سيل الكاتب المعروف يلوح في الأفق ببذلته الفضية الأنيقة. تحدثت مع باتريك عن عدة أمور شملت الشرق الأوسط، وطبعاً قمة الرياض، وخبايا ونوايا أولمرت في ظل "العالم الجديد". لم يفت على السيد سيل أن يبدي انزعاجه من تعامل أوروبا مع حكومة حماس. تحدثنا عن الانتخابات الفرنسية وأفضل المرشحين بمن فيهم السيدة رويال التي أصبحتُ اليوم أكثر من أي يوم مضى أشك باحتمال فوزها ولو أن السيد ساركوزي لن يكون أكثر حظاً.
في الأفق أيضاَ الشيخة مي آل خليفة أميرة المثقفين في البحرين. اقتربت منها وبعد التحية والسلام أبديت إعجابي ببرنامجها الثقافي هذا العام والذي أحرص على حضور ما يسمح لي وقتي من فقراته المميزة. يدهشك تواضع الشيخة مي وهي تصافحك ولكنها لا تنسى أن تذكرك بأن محاضرة باتريك سيل آتية غداً. هناك أيضاً مارك لينز، مدير إدارة النشر في الجامعة الأمريكية في القاهرة يرحب بضيوف الرواق بابتسامته العريضة. مارك مسؤول عن ترجمة كل هذه الكتب التي تترنح طرباً على طاولات الرواق الكبيرة. هذه هي الزميلة أوراس زيباوي من راديو فرنسا تقوم بتغطية الحفل. أوراس فرنسية القوام لبنانية الجذور والأصل واللهجة ثقافتها ترغمك على الاستماع باحترام وصبر. تحدثنا عن إذاعة فرنسا الجديدة التي طلبت استضافة شخصي الصغير أخيرا في برنامج من إعداد الآنسة السعودية آلاء الهذلول التي تعمل في إعداد البرامج في الإذاعة في باريس.
تنتشر على الطاولة كتب نجيب محفوظ. وكما هو الحال مع معظم مفكري العصر شعر محفوظ بالتمزق بين الفلسفة التي يدرسها والأدب الذي يهواه. أنقذه من هذه الحيرة اتخاذه قرارا نهائيا بالاعتذار عن إكمال الرسالة ليتفرغ للأدب. أول مجموعة قصصية نشرت له كانت "همس الجنون" التي احتوت بعض قصصه القصيرة وكذلك مجموعة "فتوة العطوف". هناك أيضا على الطاولة كتب هدى بركات التي منحتها الجامعة الأمريكية في القاهرة جائزة نجيب محفوظ للأدب الروائي لعام 2000، عن روايتها "حارث المياه"، التي تجمع بين فتنة الكلمة وعمق المعرفة، فتسحرنا وتعلمنا. تشدني أيضاً إلى طاولة الرواق كتب غادة سمان التي قالت يوماً ما عن الحب "إنه السقطة التي تعلمنا المشي فوق القمر". وبطبيعة الحال هناك أيضاً كتب المبدعة أحلام مستغانمي القديمة والحديثة مثل فوضى الحواس والتي تقول فيها: "أجمل حب هو الذي نعثر عليه أثناء بحثنا عن شيء آخر". كذلك تسرد أحلام قصة امرأة حزينة فتقول: "أما هي، فكانت دائما تعتقد أن على المرأة أن تكون قادرة على التخلي عن أي شيء لتحتفظ بالرجل الذي تحبه، وهكذا تخلت ذات يوم عن كل شيء وجاءته، فلم تجده."
كتب تحمل الكثير من الفكر والثقافة والأدب في قاعة تكاد تتلامس فيها الأيادي ولا تتصادم فيها الوجوه أو الأماكن أو اللهجات أو الحضارات. بطبيعة الحال لم يعترض أحد على كتاب أو مقولة أو حتى غلاف. الجميع منهمك في تصفح الجمل والحروف والكلمات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي