209 مليارات دولار من الاستثمارات الزراعية يحتاج إليها العالم سنويا

209 مليارات دولار من الاستثمارات الزراعية يحتاج إليها العالم سنويا

قدرت منظمة الأغذية والزراعة العالمية "فاو" حاجة العالم إلى استثمارات زراعية بنحو 209 مليارات دولار سنويا (تتضمن عمليات الإحلال والتجديد) بينما ما يتم استثماره فعليا من قبل الحكومات والقطاع الخاص يبلغ 142 مليار دولار أي أن الفجوة تقدر بـ 50 في المائة، وسد هذه الفجوة يتطلب تبني أساليب مختلفة عما هو متبع حاليا في توزيع الميزانيات العامة في البلدان النامية على وجه الخصوص إضافة إلى ضرورة تكثيف برامج المساعدة من المانحين الدوليين للنهوض بالقطاع الزراعي في البلدان الفقيرة.
يأتي ذلك وسط توقعات بأن يبلغ عدد سكان كوكب الأرض 9.6 مليار نسمة بحلول منتصف القرن الحالي بزيادة تقدر بـ 34 في المائة عن عدد سكانها الحالي، وتتركز معظم هذه الزيادة في البلدان النامية، وتشير التوقعات إلى أن 70 في المائة من سكان المعمورة سيقيمون في المدن مقارنة بـ 49 في المائة حاليا، وأن متوسط دخل الفرد سيتضاعف عدة مرات من الآن وحتى هذا التاريخ.
والسؤال المطروح هل ستكون البشرية قادرة على إطعام هذه الزيادة ذات الدخل المرتفع المستوطنة للمدن، والإجابة باختصار نعم ولكن .
فقد أشارت الأمم المتحدة ومنظمة الأغذية والزراعة العالمية "فاو" شرط تفادي مجاعة إنسانية ضخمة بحلول منتصف القرن هو زيادة الإنتاج العالمي من الغذاء بنسبة 60 في المائة، فالإنسانية في حاجة إلى رفع إنتاجها من الحبوب بما يقارب ثلاثة مليارات طن ليقفز من 2.1 مليار طن حاليا إلى 5.1 مليار طن، واللحوم في حاجة لزيادة تقدر بأكثر من 200 مليون طن لتصل إلى 470 مليون طن.. لكن التساؤل سيظل قائماً بشأن قدرة البشرية على تحقيق تلك القفزات في الإنتاج الغذائي.
ويقول الدكتور ري مورجان المستشار في منظمة "فاو" لـ "الاقتصادية"، إن الأرقام المستهدفة بالتأكيد ليس من السهل تحقيقها، ولكن إذا تم توفير الاستثمارات المطلوبة، وتبني سياسات إيجابية لدعم القطاع الزراعي والإنتاج الحيواني على المستوى العالمي، فإن حدة المشكلة ستنخفض، مشيراً إلى أن زيادة الإنتاج ليست شرطا كافيا لضمان الأمن الغذائي، فلا بد أن ترتبط زيادة الإنتاج بسياسات تعزز مكافحة الفقر خاصة في المناطق الزراعية، إضافة إلى شبكة أمان عالمية فعالة بحيث يمكن للمجتمع الدولي أن يتدارك بشكل سريع بروز المجاعة في مجتمع من المجتمعات.
ولا تنفي قناعة الخبراء بالإمكانية المشروطة لمواجهة قضية الأمن الغذائي العالمي على الأمد الطويل، أن هناك حاجة عاجلة وملحة لمواجهة الوضع الراهن، وخاصة في محصولين رئيسين وهما القمح والأرز.
فالقمح يوفر 20 في المائة من مجموع السعرات الحرارية للبشرية، والطلب العالمي عليه في تصاعد، وإذا كان المطلوب لضمان توفير احتياجات البشرية من القمح في عام 2050 أن تزيد إنتاجيته من الآن وحتى هذا التاريخ بما يقارب 60 في المائة، فإنه على الأقل لا بد من زيادة الإنتاج بـ 50 في المائة خلال العشرين عاما المقبلة.
وأشار الدكتور براين سكوت أستاذ علم المحاصيل الزراعية في جامعة جرينيتش إلى أنه تاريخيا تم إحراز تقدما جيدا نحو زيادة الغلة، فعلى سبيل المثال كانت غلة الهكتار المزروع قمحا في بريطانيا عام 1940 قرابة 2.5 طن للهكتار الواحد، وبفضل الأصناف الجديدة والأساليب الزراعية الحديثة، التي دشنتها الثورة الخضراء في الستينات، أصبح في الإمكان الحصول وبانتظام على ثمانية أطنان للهكتار بينما المتوسط العالمي لا يزال ثلاثة طن للهكتار الواحد.
وأضاف سكوت لـ "الاقتصادية" أن المشكلة تكمن في أن معدل زيادة الغلة في البلدان المتقدمة والنامية قد تباطأ منذ عام 1990، ونتج عن ذلك عدم استقرار في الأسعار وخاصة خلال الفترة بين 2007 و2011، وتقديري أن ذلك سيحدث مرة أخرى إذ إن الطلب أعلى من العرض، وزيادة إنتاج الهكتار من القمح قضية حيوية للغاية، ويمكن أن تؤدي إلى ضمان تحقيق الأمن الغذائي عالميا، فالقمح هو أكثر أنواع الحبوب استهلاكا، وزيادة إنتاجية الهكتار تعني أننا لن نكون بحاجة إلى تخصيص المزيد من الأراضي الزراعية إلى القمح، وتوجيه هذه الأراضي لمحاصيل أخرى تحتاج إليها البشرية، فهناك محدودية في الأراضي الصالحة أو حتى القابلة للزراعة على المستوى العالمي.
والوضع لا يبدو بعيدا عن هذا المشهد بالنسبة لمحصول الأرز أيضا، فهو محصول الغذاء الرئيسي لنحو ثلاثة مليارات نسمة، ويزود المستهلكين بنحو 25 في المائة من احتياجاتهم من السعرات الحرارية، وفي بعض البلدان الآسيوية بـ 70 في المائة.
ويزرع الأرز في نحو 114 دولة حول العالم، وبخلاف الذرة التي تستخدم في جزء كبير منها للاستهلاك غير الآدمي كعلف للماشية، فإن الأرز يوجه بالأساس للاستهلاك البشري، وخاصة في آسيا والعديد من البلدان العربية، وقد لعب الاكتفاء الذاتي من الأرز دورا مهما في نجاح نماذج التنمية في العديد من البلدان الآسيوية خلال النصف الثاني من القرن المنصرم، إلا أن هذه الصورة يبدو مشكوكا في قدرتها على الاستمرار.
فبناء على تقرير منظمة "فاو" بلغ إنتاج الأرز العام الماضي 497 مليون طن بزيادة 1.3 في المائة عن العام السابق، بينما يتوقع أن يبلغ محصول العام الراهن 500.7 مليون طن، بزيادة تبلغ 0.8 في المائة عن العام الماضي، وفي المقابل يبلغ الاستهلاك العالمي منه 490.4 مليون طن بزيادة 2.5 في المائة، ويقدر متوسط استهلاك الفرد على المستوى العالمي من الأرز 57 كيلو جراما سنويا.
ويتوقع أن يصل حجم التجارة العالمية في الأرز هذا العام 39.3 مليون طن، وتوضح الدكتورة إيلين وليام أستاذة الاقتصاد الزراعي في الجامعة الزراعية الملكية لـ "الاقتصادية"، أنه مقارنة بالقمح، فإن الأرز في وضع أفضل نسبيا والمعدلات الراهنة لإنتاجية الهكتار جيدة، ولكن معدلات الزيادة في إنتاج القمح بلغت أخيرا 7.8 في المائة بينما في الأرز لم تزد على 1 في المائة. وهنا تبرز المشكلة فالطلب العالمي على الأرز يزيد بمعدلات أعلى من زيادة الإنتاج، وهذا تحد كبير بالنسبة للمجتمعات المستهلكة للأرز، مضيفة أن تكثيف الاستثمار في المجال الزراعي في البلدان النامية، هو الحل الأساسي للتغلب على التحديات الناجمة عن تفاقم قضية الأمن الغذائي في الأمد الطويل.
إلا أن تكثيف حجم الاستثمارات الزراعية لا يبدو بالقضية البسيطة بالنسبة للبلدان النامية، فالفجوة كبيرة بين المطلوب من استثمارات من جانب والمستوى الراهن للاستثمار من جانب آخر.
ويرى الدكتور ري مورجان المستشار في منظمة "فاو"، أن المشكلة التي يمكن أن تؤدي إلى فشل العالم في مواجهة احتياجاته الغذائية بمنتصف القرن الحالي يمكن أن تأتي من البلدان الفقيرة، فـ 80 في المائة من الزيادة المطلوبة في إنتاج الغذاء يجب أن يكون مصدرها زيادة غلة الفدان في البلدان النامية، لأن تلك البلدان لا تستطيع أن تزيد مساحة الأراضي الزراعية لديها بأكثر من 20 في المائة
ويكشف مورجان لـ "الاقتصادية"، أن الأبحاث الأخيرة لـ "فاو" تشير إلى أن معدل زيادة غلة الهكتار عالميا في تراجع، فقد انخفضت من 3.2 في المائة عام 1960 إلى 1.5 في أوائل القرن الحالي، وهو ما يطرح تحديا كبيرا أمام الاستثمار في مجال الأبحاث والتطوير الزراعية، مشيرا إلى أن أغلب البلدان النامية تتجاهل الاستثمار في هذا المجال، على الرغم من أنه يحقق عوائد تراوح بين 30 و75 في المائة.
إلا أن تيم نيلي الباحث في الاقتصاد الزراعي يعتقد أنه من المستبعد أن تنجح البلدان النامية في تخصيص مبالغ متزايدة من ميزانيتها العامة للأبحاث الزراعية في ظل الضغوط الناجمة عن زيادة السكان والحاجة إلى مخصصات مالية للتعليم والصحة والأمن.
وأضاف لـ "الاقتصادية"، أن الحل الأمثل هو منح القطاع الخاص محفزات ضريبة أو مالية للقيام بتلك المهمة، وأن أحد العوامل الأخرى لضمان تحقيق أعلى درجة ممكنة من الأمن الغذائي بحلول منتصف القرن تكمن في مزيد من حرية التجارة ورفع القيود على التبادل التجاري، وخاصة في مجال المحاصيل الزراعية، وبحلول 2050 سيتضاعف حجم التبادل العالمي في مجال الحبوب ليصل إلى 300 مليون طن متري مكعب، وهذا يتطلب سرعة الانتقال لنظام تجارة عالمي أكثر عدالة ومنافسة.
وإذ يبدو التحدي أمام البشرية لضمان تحقيق الأمن الغذائي بحلول منتصف القرن كبير، فإن الإنسانية مع ذلك تمتلك الموارد والإمكانيات والتكنولوجيا لمواجهة التحدي والتغلب عليه، لكن هزيمة الجوع، والتخلص من المجاعة، وضمان أمن غذائي على الأمد الطويل، يفتقر إلى خطوات آنية وسريعة لتعبئة الإرادة السياسية الدولية ودعم المنظمات العالمية لمواجهة المستقبل الآن وقبل فوات الأوان.

الأكثر قراءة