الزيوت المهدرجة تسبّب تصلب الشرايين وأمراض الأوعية التاجية
تعد الزيوت المهدرجة من المواد الغذائية المثيرة للجدل، ففي الوقت الذي يسعى فيه بعض مصنعي الأغذية إلى الاعتماد عليها بشكل كبير لفوائد مادية، نجد كثيرا من المنظمات والهيئات الغذائية يكافح انتشار هذه الدهون لأضرار صحية ثبتت لديها.
وحول هذه الزيوت وطبيعتها يقول لـ "الاقتصادية" الدكتور خالد بن علي المدني، إن الدهون الغذائية المحتوية على نسبة عالية من الأحماض الدهنية غير المشبعة عادة ما تفسد بسرعة، ويمكن جعل هذه الأحماض أقل عرضة للأكسدة والتزنخ بإجراء عملية الهدرجة، وذلك بإدخال ذرات هيدروجين إلى الحمض الدهني في مواضع الرابطة غير المشبعة، بحيث يتحول الزيت السائل إلى شبه صلب، وينتج في أثناء عملية الهدرجة مركب ثانوي يدعى "النظير ترانس". كما تستخدم الهدرجة لتحسين تخزين المنتج، أو لتغيير درجة الانصهار، وتعد الزيوت النباتية المهدرجة جزئيا هي المكون الأول للسمن النباتي الصناعي (المارغرين) والدهون النباتية الأخرى، حيث تستخدم في تصنيع السيريال المتناول في وجبة الإفطار والكعك المحلى، وفي إعداد شرائح البطاطس المقلية والمئات من الأطعمة الجاهزة الأخرى.
تأثيرات سيئة
وعن الآثار السيئة للزيوت المهدرجة يقول المدني إن عملية الهدرجة تجعل الخلية أكثر صلابة، وهذه الصلابة قد تقلل من أداء ووظيفة مستقبلات الكوليسترول على الغشاء الخلوي الذي يعمل على التخلص منه في الدم، وقد تكون هذه الآلية هي السبب الذي بموجبها يزيد كل من الأحماض الدهنية المهدرجة والأحماض الدهنية المشبعة من كوليسترول الدم. وقد أظهرت عدة دراسات أجريت على التمثيل الغذائي أن النظير ترانس يعمل على تغيير الحالة الدهنية للبلازما بطريقة أكثر من الدهون المشبعة الأمر الذي يؤدي إلى إحداث تصلب الشرايين، ليس فقط برفع مستوى البروتينات الشحمية منخفضة الكثافة (الكوليسترول السيئ) بل بتخفيض مستوى البروتينات الشحمية عالية الكثافة (الكوليسترول الجيد) أيضا.
وقد تبين من خلال العديد من الدراسات أن تناول الأحماض الدهنية ذات النظير ترانس يزيد من خطورة أمراض القلب والأوعية التاجية.
ويضيف المدني أن المختصين في لجنة الدساتير الخاصة بالغذاء والطعام للأطعمة الخاصة أفادوا بأن الغذاء البديل لحليب الأم وأطعمة صغار الأطفال يجب أن يحتوي على أقل مقدار ممكن من الأحماض الدهنية من نوع الرابطة ترانس، في ظل وجود بعض الدلائل حول التأثيرات الضارة للأحماض الدهنية من نوع الرابطة ترانس على نمو الجنين.
تحذيرات مشددة
ويقول المدني إن منظمة الصحة العالمية وبالمشاركة مع منظمة الأغذية والزراعة أصدرت عام 2003 تقريرا أوضحت فيه أن الأحماض الدهنية ذات الرابطة ترانس هي أسوأ من الأحماض الدهنية المشبعة التي تزيد فيها نسبة البروتينات الشحمية منخفضة الكثافة. وأوصى التقرير بأن النظير ترانس الموجود في الغذاء يجب ألا يزيد على مقدار 1 في المائة من كمية السعرات الحرارية الكلية (نحو 2-3 جرامات من الأحماض الدهنية ذات الرابطة ترانس يوميا).
ويضيف المدني أن الهيئة الأمريكية للغذاء والدواء طالبت بإدراج الأحماض الدهنية ذات الرابطة ترانس على بطاقات عبوات الأطعمة، على أن تلتزم الشركات المصنعة للأطعمة بوضع علامات وإرشادات توضيحية على عبوات الأطعمة بحلول عام 2006م لتحديد كمية الأحماض الدهنية ذات الرابطة ترانس أو الدهون ذات الرابطة ترانس، وبذلك يتمكن المستهلك من الحصول على معلومات أوفر عند اختيار الأطعمة التي تخصه، وقد أيّد الكثير من المختصين بصحة الإنسان الإرشادات والنصائح الغذائية الأخيرة الصادرة من جمعية القلب الأمريكية وهيئة الطعام والتغذية والخاصة بتناول أقل قدر ممكن من الأحماض الدهنية ذات الرابطة ترانس، وفي القريب العاجل سيصبح ذكر الأحماض الدهنية ذات الرابطة ترانس على بطاقات العبوات إجباريا.
ويبين المدني أن دستور الأغذية هو الجهة العالمية المسؤولة عن وضع المعايير لنوعية الطعام وسلامته ويمكن لغالبية دول العالم الاستفادة من هذه المعايير العالمية، والتوصيات باعتبارها مرجعا لتسهيل مهمة ودور التجارة العالمية هذا بالإضافة إلى ضمان أن الأغذية والأطعمة المستوردة أو المصدرة تتمتع بالجودة والسلامة طبقا للاتفاقيات الدولية. وطورت
لجنة دساتير الأغذية بطاقة عبوات الأطعمة بحيث تعمل على تحسين وتطوير هذه الإشادات والمعلومات على العبوات بالنسبة للأطعمة المحضرة والمعلبة، حتى يتمكن المستهلك من خلال هذه المعلومات الموضحة على العبوات لأنواع الأطعمة المختلفة من الاختيار الصحيح لما يحتاج إليه من أطعمة وأغذية. وقد ركزت اللجنة المنعقدة في هاليفاكس في كندا على تحديد التأثيرات الصحية للأحماض الدهنية ذات الرابطة ترانس حيث تم الاتفاق بالإجماع على ذكر مقدار الأحماض الدهنية ذات الرابطة ترانس على بطاقة الأطعمة المحضرة والمعلبة.
يُذكر أن جماعة في الولايات المتحدة قامت أخيراً بمقاضاة إحدى الشركات الرئيسية المصنعة لأحد أنواع البسكويت، وذلك لعدم قيامها بوضع علامات تحذيرية كافية للمستهلكين بشأن منتجات تلك الشركة التي تحتوي عل مقادير عالية من الأحماض الدهنية من نوع الرابطة ترانس.
البحث عن بدائل
ويقول استشاري التغذية العلاجية أنه بناء على تلك التقارير التي تثبت أن أن النظير ترانس يمثل خطورة على البشر، خصوصا مرضى القلب؛ فإن العديد من الجهات المعنية بتصنيع الطعام والغذاء قد بدأ في البحث عن البدائل حتى يتجنب وجود الأحماض الدهنية من نوع الرابطة ترانس في الأطعمة. إذن ما البديل؟
يوضح الدكتور المدني أن البديل هو استخدام زيت النخيل باعتباره مصدرا للدهون الصلبة كونه لا يتعرض لعملية هدرجة. ويضيف أن السبب الرئيسي الذي جعل منتجات الأطعمة الدهنية في كل من الصين وباكستان ومصر والهند خالية بشكل فعلي وواقعي من الأحماض الدهنية من نوع الرابطة ترانس، هو أن زيت النخيل يتم استهلاكه على نطاق كبير بشكل مباشر وغير مباشر عن طريق التطبيقات العديدة للصناعات الغذائية.
ويعد زيت النخيل من الزيوت الصلبة جزئيا، وبذلك يمكن استعماله في كثير من التطبيقات الغذائية دون إجراء عملية الهدرجة، وبالتالي نتجنب تكوين الأحماض الدهنية من نوع الرابطة ترانس.