وسائل التواصل الاجتماعي .. تسويق الإرهاب وإعادة تدويره
"هي باقية وتتمدد، ما همنا من تردد، يا عاصب الراس وينك؟" بهذه الأبيات الإنشادية الحماسية، وبلهجة محلية، انتشر مقطع فيديو، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لمجموعة شباب، يُقال إنهم أفراد "خلية الوديعة"، وأن هذا المقطع يعود لليلة التي سبقت الهجوم على منفذ الوديعة الحدودي مع اليمن. وبحسب أدبيات التنظيمات الجهادية، فإن هذا الاحتفال الذي يسبق أي عملية يسمى "زفة الشهيد" على افتراض أن الانتحاري سيزف بعد هذه العملية للحور العين.
وبغض النظر عن مدى صحة هذه الأخبار، التي تنسِب المقطع لأفراد خلية الوديعة. فإن هذه الفرحة والهمم العالية التي يحاول هذا المقطع بثها وتصويرها، تأكيد على أن هؤلاء الشباب يشعرون بالسعادة، ولا يتهيبون الموت. هي ما يمكن اعتبارها دعائية وتحريضية، لمن يقف خلف هذه العمليات. مكسب لا يقارن بسذاجة العملية ذاتها التي لم يظهر لها أي هدف استراتيجي أو لوجستي واضح، إذ انتهت فعليا، بمقتل خمسة منهم، وأسر السادس بعد إصابته.
هذا التركيز على المكاسب الإعلامية، حتى لو كان من خلال التضحية بأفراد التنظيم، يؤكد على ما يذهب إليه كثير من المراقبين، من أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش سابقا) وقبلها القاعدة هو في حقيقته يعتمد جزءا كبيرا من مشروعه على الدعاية الإعلامية. بينما باقي الميليشيات المسلحة تستغل الفراغات الأمنية ومناطق عدم الاستقرار لتملأها. فالعلاقة الطردية بين انتشار هذه الميليشيات المسلحة وتكاثر "الدول الفاشلة" بسبب الأحداث العربية أخيرًا ملحوظ ومستمر.
حيث لم يمض الكثير من الوقت لتغيب عن الذاكرة حادثة الشاب السعودي سليمان السبيعي (السمبتيك) أشهر السعوديين الذين ذهبوا للقتال في سورية، الذي عاد عبر شاشة القناة الأولى السعودية في برنامج "همومنا" ليكشف عن قصة ذهابه وتجنيده عن طريق الإنترنت.
وقال "السمبتيك" (25 عاماً) إن ذهابه إلى القتال في سورية جاء بعد مقتل أخيه عبد العزيز الذي كان يقاتل في سورية في تلك الفترة. أما وصوله لساحات القتال فكان بمساعدة مهرّب سوري تعرف عليه عن طريق "تويتر". كما أشار في حديثه أكثر من مرة إلى أن شهرته من خلال "الكيك" أو "تويتر" كانت الهدف الأهم بالنسبة للتنظيم. فبمجرد وصوله ولقائه بأحد قياديي داعش كان أول طلب يُطلب منه هو توفير حسابه في "تويتر" للدعوة في سبيل الله، على حد تعبير هذا القيادي. لينحرف الحساب، بحسب السبيعي، عن مساره، بعد أن أشرف عليه مسؤولو داعش، مهاجما بعض العلماء في السعودية ومكفرا ومحرضًا ضد الحكومة السعودية. ويختم السبيعي أنه عندما علم بالأمر وأراد منهم أن يكفوا عن استخدام حسابه في أمور بعيدة عما جاء من أجله قاموا بالإنكار عليه وتهديده.
يُذكر أن هذا الاستغلال الدعائي لم يتوقف عند المشاهير وحساباتهم، بل تجاوز ذلك، للحديث باسم الداخلية السعودية نفسها. وهو ما دعا المتحدث الأمني باسم الوزارة، اللواء منصور التركي، في 19 أيار (مايو) 2014 للحديث عن رصد الوزارة أكثر من نصف مليون حساب في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" تعمل من خارج المملكة وتناقش القضايا الأمنية فيها، مشيراً إلى أنه ليس من المستغرب أن تقوم هذه الحسابات باستهداف المجتمع السعودي والتشويش عليه، بحجة أنها تعمل وتدار من وزارة الداخلية، نافياً وجود حسابات للوزارة على مواقع التواصل.
وكانت "حملة السكينة"، المختصة بمحاورة من يتعاطفون مع التنظيمات الإرهابية على شبكة الإنترنت، قد رصدت قبل ما يقارب العام (أبريل 2013) حملة تحريض وإثارة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك وتويتر ويوتيوب" ضد السعودية من معرفات وشخصيات ورموز من إيران وبعض المدن العراقية، مباشرة إثر إعلان الداخلية السعودية القبض على خلية تجسس لها علاقة بالمخابرات الإيرانية.
وفي حديث لصحيفة "سبق" الإلكترونية، أكد عبد المنعم المشوح، المشرف العام على الحملة، أن عملية رصد معرفات إيرانية أو تنطلق من إيران، وتتخفى وراء أسماء سعودية، أو تُظهر أنها تنطلق من السعودية، هي الحقيقة التي يجب أن يعلمها الجميع، وهي مرصودة، ولدينا الأدلة والإثباتات التي تكشفها كاملة. ونفى المشوح أن يكون الدافع عقلية المؤامرة، وقال: نحن نرصد واقعاً موجوداً على "الفيسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب".
وبينما تتأذى السعودية من هذه المعرفات، ينقل موقع "روسيا اليوم" الإخباري عن موقع "مارشال" المتخصص في تغطية أخبار التقنية والشبكات الاجتماعية، حرص المخابرات الأمريكية على استمرار هذه المعرفات في التغريد. ونقلا عن موظف بكبرى شركات وسائل الإعلام الاجتماعية فإن مسؤولي المخابرات الأمريكية طلبوا من الشركة عدم حذف أية حسابات لداعش، على الرغم من أن المحتوى كثيرا ما يكون دمويا ومسيئا للمشاهدين.
والسبب في ذلك هو أن المخابرات الأمريكية تتابع جميع هذه الحسابات، وتحصل منها على معلومات "ثمينة" حول تحركات هذه التنظيمات، وقوتها، واستعداداتها، وأيضا خططها المستقبلية. وقد رفضت كل من "تويتر" و"فيسبوك" التعليق على هذه الأخبار، بينما صرحت "يوتيوب" أنها "تمتثل لأوامر القضاء" في هذا الشأن، ورفض ممثل الشركة أيضا الإجابة عن بعض الأسئلة حول داعش.
وفي ذات السياق، يشير الخبر إلى أن المتطرفين الإسلاميين من مجموعات "الدولة الإسلامية" و"داعش" سابقا، يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي لنشر الرعب والخوف بطريقة لم تحدث من قبل. ولا يستطيع الكثير من الخبراء، بحسب الموقع، تقدير الأمر منطقيا إلا كجزء من خطة أكبر لتضخيم قوة المجموعة، وتحقيق الدعاية المطلوبة لضم عناصر جديدة. وبحسب خبراء آخرين في جمع المعلومات الاستخباراتية فإن هذه التنظيمات لديها "استراتيجية إعلامية منسقة" وقالوا: "مجموعات داعش هي الأولى من نوعها التي تستخدم وسائل الإعلام الاجتماعية كسلاح فعلى في الحرب".
سلاح مخترَق استخباراتيا، تفضحه لغة عربية ركيكة يمكن ملاحظتها من خلال حوار بسيط مع بعض هذه المعرفات. في حين المستهدَف الحقيقي هم الشباب الذين سيظهرون في تلك المقاطع بعد هروبهم أو مقتلهم في عمليات عبثية. ليُعاد إنتاج وتدوير هذه المقاطع (المكاسب) إعلاميا، بحثا عن المزيد من "عاصبي الرؤوس" لضمهم كعناصر جديدة لأسفل الهرم التنظيمي، بما يخدم مصالح دول وسياسات معادية، تستقر كقيادات فاعلة ومحركة في أعلى الهرم.