سويسرا ترفض مبادرة شعبية لمنح كل من يقيم على أراضيها مبلغا شهريا ثابتا
قالت الحكومة السويسرية "لا" مطلقا لمبادرة شعبية لا تهدف إلى وضع حد أدنى للأجور، بل تلزم الحكومة بأن تمنح مبلغاً معيناً ثابتاً كراتب شهري لكل شخص يقيم فوق أرضها ناهيكَ عمَّا يكسب، بهدف ألَّا يقترب أي شخص في البلاد مِن خط الفقر، وإقصاء السكان إلى أبعد مسافة عن هذا الخط.
واعتبرت الحكومة أن توزيع المال لكل فرد بغض النظر عمّا إذا كان يعمل أو لا يعمل، من شأنه أن يخل بالنظام الاقتصادي والتماسك الاجتماعي، وستكون المبادرة مكلفة للغاية.
وحسب الدستور السويسري، يحق لأي مواطن التقدم بمبادرة شعبية يتم طرحها للتصويت العام لإقرار قانون جديد أو تعديل قانون قائم، بشرط أن يجمع 100 ألف توقيع تؤيِّد مبادرته، ولن تأخذ المبادرة قوة القانون إلَّا إذا نالت موافقة أكثر مِن نصف المصوتين في البلاد وأكثر مِن نصف عدد المقاطعات السويسرية الـ 26.
ودعت الحكومة البرلمان، بمجلسيه، إلى رفض المبادرة التي تحمل مسمي "من أجل دخل أساسي غير مشروط للجميع" دون أن تقدم من جانبها اقتراحاً مضاداً للمبادرة، ما يعني أن رفض الحكومة لمبدأ المبادرة مطلقاً.
لكن رفض البرلمان للمبادرة لن يحول دون طرحها للتصويت بعد أن تمكن رعاتها من جمع 26 ألف توقيع أكثر من الحد الأدنى المطلوب، كاحتياط عن التواقيع غير الصحيحة، أما دعوة البرلمان للرفض، فهي خطوة معنوية لتشجيع الناخبين على رفضها.
وتدعو المبادرة إلى منح 2500 فرنك سويسري (2800 دولار) في الشهر لكل مواطن، ولكل مقيم في البلاد بصورة مشروعة، سواء كان يعمل أم لا، فقيراً أم غنيَّاً، بصحة جيدة أو مريضا، يعيش وحده أو مع أسرته، ومنح 625 فرنكا (694 دولاراً) في الشهر لأقرانهم مِمَّن هم دون 18 عاماً.
وهكذا تضمن المبادرة دخلا سنوياً عالياً للأفراد، فأسرة تتكون من شخصين بالغين وطفلين، على سبيل المثال، ستتلقى 75 ألف فرنك (83.3 ألف دولار) سنوياً مِن دون قيد ولا شرط، هذا بخلاف ما يحصل عليه البالغان في الأسرة من عملهما الأصلي، والمبلغ الإضافي كاف في حد ذاته للعيش بتواضع دون الاضطرار إلى العمل، ومِن بين الموقعين على المبادرة، أوزفالد سيك، الوزير السابق في الحكومة السويسرية.
وتقول الحكومة أنه بناء على هذا الافتراض، فإنه يجب عليها أن تجد 208 مليارات فرنك (277 مليار دولار) لتغطية تكاليف المبادرة، موضحة أنه سيكون من الممكن بالتأكيد نقل مبلغ الـ 55 مليار فرنك (61 مليار دولار) المكرسة حالياً لتغطية مصاريف الضمان الاجتماعي لصالح الصندوق المفترض لهذه المبادرة، ولكن ينبغي توليد 153 مليار فرنك (170 مليار دولار) أخرى عن طريق فرض ضرائب جديدة.
وأضافت الحكومة أنه إذا ما صوت الشعب لصالح المبادرة، فمن المتوقع جداً أن تزيد الضريبة على الدخل من نشاط مربح لتصل إلى 128 مليار فرنك (142 مليار دولار)، وينبغي أن يأتي نحو 25 مليار فرنك (28 مليار دولار) من رسوم وضرائب أخرى، كما يجب على سبيل المثال، رفع قيمة ضريبة القيمة المضافة نحو ثماني نقاط، لتصبح بحدود 16 في المائة.
من جانبهم، يقول أصحاب المبادرة إنَّ الـ 153 مليار فرنك المتبقية يمكن تغطيتها من الدخول الآتية من النشاطات المربحة، ومن خلال فرض ضرائب على التعاملات المالية كشراء وبيع الأسهم، أو على رأس المال، وممكن أيضاً إعادة هيكلة نفقات الدولة.
الأسوأ من ذلك، حسبما تقول الحكومة، إن الانخفاض المتوقع في حجم توجه الناس إلى العمل نتيجة للمبادرة، سيولد آثاراً سلبية أخرى من المستحيل تقديرها، خاصة في مجال تسديد العاملين مساهماتهم في صناديق التأمينات الاجتماعية (صندوق التقاعد، البطالة، الإصابة، العجز، قروض السكن، وغيرها).
وتقلب المبادرة النظام الاجتماعي السويسري رأساً على عقب، فبدلاً مِن الشبكة الاجتماعية التقليدية الواسعة في البلاد، ستدفع الحكومة لكل شخص راتبا ثابتا سيؤهله للعيش به فوق ما يحصل عليه من عمله، ولن يحتاج بعد ذلك للتوجه إلى الصناديق الاجتماعية في حالة عطله أو إصابته بعائق يمنعه عن العمل جزئياً أو كلياً.
فوائد المبادرة جلية، حسبما جاء في نص المشروع، فهي ستقضي على الفقر، وتساعد على جعل سويسرا واحدة من أغنى البلدان في العالم حسب نصيب الفرد من الدخل، وستستقطب العقول والكفاءات من مختلف العالم، وتسمح للسكان العيش في حياة كريمة، وتمنحهم الأمن النفسي والاجتماعي، وترفع من انغماس الناس في الحياة العامة كارتياد المسارح، والمطاعم، وتزيد من توجههم نحو اكتشاف الحياة الإبداعية كالتركيز على الفنون.
وهي أيضاً تستغني عن مؤسسات المعونات الاجتماعية الحكومية ونفقاتها الهائلة مِن رواتب الموظفين، وإيجارات المباني، واستهلاك الكهرباء والكراسي والمناضد ...، وتحد من البيروقراطية الحكومية، وتلغي الحاجة إلى وضع حد أدنى للأجور، وستقضي على البطالة تماماً، وترفع من معدلات الطلب على العمل، وستتيح لأولئك الذين اعتمدوا لسنوات طويلة على شبكة المعونة الاجتماعية للوقوف على أقدامهم مرة أخرى.
وترفع كذلك الطلب على التعليم العالي، وتقلِّص الأمراض النفسية، وتحسِّن الصحة العامة للناس عموماً، وتخفض الإنفاق على المستشفيات، وتسمح بإنشاء نطاقات من الحريات الاقتصادية، وتُزيد من عدد المشاريع الإنتاجية والاستثمار، وتحقِّق المزيد من المرونة والاستقلالية الاقتصادية للأفراد.
لكن للمبادرة مساوئ، مثلما يقول معارضوها، فهي تحمل في طياتها تأثيرات سلبية محتملة في الإنتاجية، وتقلِّص مِن همَّة الناس للبحث عن عمل، وستُغيِّر طبائع الناس بمرور السنين لعدم تكون شخصياتهم من الخوض في غمار العمل، وستبدأ قيم المجتمع نفسه في التغير.
ويتساءل معارضو المبادرة، ماذا لو أنفق الناس الرواتب الإضافية الجديدة على أحذية الرياضة والمخدرات بدلاً من الغذاء والتعليم؟ وماذا لو توجَّه الناس في إنفاق "الغنيمة" في البلدان الأجنبية حيث للفرنك قوة شرائية عالية، وبهذا لن يقدموا أي فائدة تذكر للاقتصاد السويسري، وهناك مخاوف بشأن تكلفة البرنامج الباهظة وإمكانية ديمومته على المدى الطويل.
ويؤكِّد أصحاب المبادرة أنه لا يوجد هناك خطر من أن تصبح سويسرا غير منتجة، فمعظم الناس يرغبون في تحقيق المزيد من المال، أو أكثر من 2500 فرنك في الشهر، على أقل تقدير، وأن الجاذبية المالية للعمل المدفوع الأجر ستستمر، وأنَّ الناس ما إن يغطوا حاجياتهم حتى تتولد لديهم حاجات أكبر، وهكذا سيذهب الناس إلى المزيد من النشاط والعمل.
المشكلة في هذه الخطة الاقتصادية، كما هو الحال مع العديد من القضايا الاقتصادية، أنه لا توجد هناك سابقة تاريخية شبيهة لها بمثل هذا النطاق الواسع، وهذه المشكلة هي أساس تردد أغلب الاقتصاديين لدعمها.