اقتراحات إلى مجمع الملك فهد

الحمد لله وبعد، فقد سبقت لي الكتابة عن اقتراحات لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، وهنا نذكر ما تيسر منها باختصار: فهذا المجمع العزيز هو أحد المكرمتين اللتين أكرم الله بهما عبده فهد بن عبد العزيز ـــ رحمه الله ــــ وأعلى نزله وشكر سعيه وقبل منه، افتتحه في 6/2/1405، والأخرى توسعة الحرمين، ولا أزكيه على الله تعالى.
وإنا لنرغب إليهم بدراسة أربعة أمور:
1 ـــ طلب إصدار نسخة مسبّعة، وهي غالب تحزيب الصحابة.
(3 سور، 5 سور، 7 سور، 9 سور، 11 سورة، 13 سورة، بقية السور) أي طباعة نسخة مجزأة لسبعة أجزاء لتسهيل الختمة الأسبوعية لأهل القرآن، سواء نظرا أو غيبا، في قيام الليل أو أطراف النهار. كما هي جادّة كثير من أكابر السلف الصالح من لدن الصحابة ومن بعدهم بل أسنده الطبراني مرفوعا، ولا سيما أن المجمع الكريم قد بادر بإصدار نسخة سداسية وقد راعى في الطبعة الثانية السور مع الأجزاء، وهذا فقه محمود.
2 ـــ طلب إعادة الطبعة القديمة "الأولى للمجمع" بخط عثمان لمزاياها وجمالها وتناسقها، ويُدرِكُ ذلك بأدنى لمحة من له اهتمام بالخط العربي، فبين النسختين فروق جوهرية في قواعد خط النسخ. فليت أهل الشأن يعودون للنسخة القديمة بالطباعة، ولو مرّة من هذه ومرّة من تلك، وتظهر رغبتها خاصة للرعيل الذين حفظوا عليها.
3 ـــ إن كانت هناك نسخة غير مطبوعة للخطاط عثمان لم تلتزم مصحف الحفّاظ الذي التزم نهاية الآي في نهاية الصفحات، فلعلّها تصدر ــــ ولو بأعداد قليلة للتجربة ــــ لأنه قد ترتب على ذلك المقصد؛ تصغير كثير من الكلمات، بل والآيات، بل والصفحات، كل ذلك مراعاة لنهاية الصفحة أن تكون مختومة بآية. وقارن بين المائدة والأنعام على سبيل المثال، بل قارن بين كل صفحتين مما يلي: (91-92) و (93-94). وأحيانا يُضطر لتصغير مقياس الخط كما في السطر الأخير ص (27) مراعاة لأن تكون الصفحة مختومة برأس آية! ومن ظنّ أن في ذلك تسهيلا للحفظ فلا أظنه قد أصاب، بل الصواب ضدّه، فلكم تداخلت بداية الصفحات في الأذهان لهذا السبب. ومن تأمل المصاحف القديمة وجدها غفلا من ذلك. وهذا أحد أسباب كونها أقل عددا في الصفحات. وفي هذا عون على تجميل الخط، ففي ظني أن الخطاط لو مُكّنَ من مدى حرّ لكان أجمل لحروفه لانطلاقه في فضائه دون تقييد مساحة كلماته. وعلى كلّ فهذا مطلب ليست أهميّته كقدر غيره.
4 ــــ وهو المطلب الأهم والرغيبة الأجلّ من هذه الأربع، ولا أقلّ من تبنّي المجمع الرفع للمجامع الفقهية لدراسته والإفتاء فيه أو التوصية حياله، وهو إعادة النظر في علامات نهاية الأثمان ــــ أرباع الأحزاب ــــ والأجزاء، فليس ذلك من الإحداث في شيء، فلم يكن ذلك عن الصحابة ـــ رضي الله عنهم ــــ، والمشهور أنها من وضع الحجاج بن يوسف أو بأمره "وهي من حسناته بلا شك"، ولكن تلك التجزئه لم تراع كثيرا من المعاني عند وضعها في الابتداء، بل تجد العلامة أحيانا توضع على رأس الجزء وقد بقيت آية أو آيتان، ويُدرك ذلك بأدنى تدبّر، كما أن آلية وضعها لم تكن مراعية لطول الآيات أو قصرها، فهناك أثمان ضعف طول أثمان أخر!
إذن لماذا وضعت بهذا الحال؟
لعل السبب ــــ والعلم عند الله ــــ أنها وُضعت بناء على نهاية صحف المصحف الذي كان بين يدي واضعها، فقد تكون ريشة الكتابة مختلفة المقياس وبعض الكلمات أكبر من بعض، فجعلها على حسب عدد الصفحات التي بين يديه كيفما اتفق! وإن كان قد وافق المعنى في مواضع كثيرة، وَيَرِدُ على هذا الاحتمال؛ الاختلاف الكبير بين أطوال الأثمان، فبعضها يصل طوله لضعف بعضها الآخر، وبرهانه مقارنة ربع آخر المائدة مع الأنعام بربع الجمعة.
أو لعلها وُضعت على عجل دون تأمل كاف. أو قد وضعها أحدهم لنفسه ثم أخذت عنه إلى غير ذلك. أو أن مناط التقسيم كان بعدد الحروف، وهو الاحتمال الأظهر، وأنهم قصدوا ذلك بالنسبة للأجزاء خلافا للأثمان ــــ أرباع الأحزاب ــــ وكان ذلك بناء على أمر الحجاج بن يوسف، واللذان حزباه وقسماه هما نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر على المشهور، فلعل لتبني الحجاج هذا الأمر أثرا في الانتشار.
وبالجملة؛ فوضعها بهذا الحال المخلّ بالمعنى أحيانا، وبالطول أحيانا ليس في مصلحة المتدبرين والتالين والحفظة.
وهنا عثرة، بل معضلة، وهي أن في ذلك تشويشا على الناس، وإثارة القلق والحرج لدى بعضهم، ولا شك أن هذا الأمر حريٌّ بالوقوف طويلا، فالاجتماع بركة، وما سار عليه الناس ليس من المستحسن الجرأة على تغييره ــــ في الغالب ــــ خاصة أن الناس قد ساروا عليه منذ عهد التابعين، وقد تلقاه جمهور الأمة بالقبول ــــ إذ من العلماء من عابه كشيخ الإسلام وغيره ــــ فالتريث الطويل في هذا الأمر حسن، والتأمل التام فيه جميل، كما أن التشويش بخلاف السائد ليس في الصالح غالبا، ولكن هل هذه المسألة هي من هذا الغالب أم ضده؟ هذا ما ننتظره من علمائنا الأجلاء.
وفي ظني أنهم لو وافقوا على تشكيل لجنة من كبارهم وكبار القراء في العالم الإسلامي لِوَضْعِ علامات جديدة تراعي المعنى وتراعي القدر، كمّا وكيفا؛ لكان في ذلك خير، خاصة أن هذه المسألة ليست تعبدية، بل هي لتيسير أخذ القرآن العزيز، كما أن هناك بعض الأمور في الرّسم القرآني محتاجة إلى مثل تلك اللجان تحت مظلة المجامع وكبار القرّاء، وفي ذلك خدمة وتقريب لكتاب الله بين يدي الأمة، كذلك صيانة لكتاب الله من أن يقف القراء على رؤوس آيات لا يَحْسُنُ عندها الوقوف، خاصة مع انتشار القراءة وقلة العلم والفقه، وتأمل وقوفات أئمة التراويح تَرَ العجب! إذ صار المعوّل عند كثيرهم تلك العلامات الملقاة دون اعتبار المعاني، "أفلم يدبروا القول" "أفلا يتدبرون القرآن" "ليدبروا آياته" والله الموفق، وهو المستعان.
ومما يستأنس به لِيُسْرِ ذلك؛ أن المجمع حين نشر النسخة الثانية كان قد تصرّف في كثير من علامات الوقف، ولم يستثر ذلك الناس بحمد الله، فهذه الأمور اصطلاحيّة مصلحيّة، لا تعبديّة توقيفية، فهل نجد لهذا النداء صدى في صدر نبيل، أو عقل فهيم، أو خط لبيب، أو لسان عليم، أو قرار حكيم؟ لَعَلَّهُ.
ومن باب الشيء بالشيء يذكر؛ فمصاحف المجمع بلا استثناء سريعة تمزق الكعب مما يؤثر في جودتها، فلو نظرتم ذلك. كذلك شريط التّوقف للصفحات لو جُعل على رأسه صمغ خاص أو شيء من أجل ألا تنسل خيوطه الدقيقة. كذلك لوحظ أن بعض الطبعات الجديدة باهتة قليلا، تولاكم الله بتوفيقه.
والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي