«آي ووتش» خطر يهدد صناعة الساعات السويسرية
من المقرر أن يعلن تيم كوك، رئيس شركة "أبل" الأمريكية العملاقة في التاسع من أيلول (سبتمبر) الجاري عن إطلاق جيل جديد من الهواتف المحمولة تحت اسم "آي فون 6"، وربما يعلن في الوقت ذاته عن إطلاق ساعة إلكترونية ذكية جديدة باسم "آي ووتش".
الخبر "ليس جيداً" لبلاد ساعات "الكوكو" بالتأكيد، وإذا لم يكن "مخيفاً" حتى الآن، فهو "مقلق"، إذ يقول صناع الساعات السويسريون إنه على الرغم من أن هناك بالفعل عدة نماذج من الساعات الذكية في السوق منذ عام تقريباً، إلا أن المعركة بدأت للتو فقط.
الآن، "أبل" التي تمكنت من الاستحواذ على أغلب عوائد مواقع الموسيقى الرئيسة، والتي أنزلت شركات عملاقة مثل "نوكيا" و"بلاك بيري"، إلى قبو التاريخ، هي اليوم في طريقها لتبث الرعب في قطاع صناعة الساعات، أقدم القطاعات الصناعية وأكثرها ربحاً في سويسرا.
"أبل" الآن على وشك إطلاق جهاز اتصال جديد، "آي ووتش"، يمكن حمله في المعصم، والذي يراه البعض بأنه الثمرة الأولى الناضجة لسلسلة طويلة من تلك الاختراعات الخلاقة للساعات المتصلة على مدى السنوات القليلة الماضية.
يقول إكزافييه كونتس، المدير السابق لمؤسسة "أفنير سويس" التي تراقب تطورات سوق الساعات في العالم، لـ "الاقتصادية"، إنه بمقارنة التحدي الجديد مع ما تمت تسميته بـ "أزمة كوارتز" التي عرفتها صناعة الساعات السويسرية في ثمانينيات القرن الماضي، فتلك الأزمة لم تكن سوى نُزهة للتعافي من وعكة صحية، حسب تعبيره.
والمقصود بـ "أزمة كوارتز" هو ذلك التحدي الذي فرضته الساعات اليابانية الرقمية، العاملة بالبطارية، والمصنوعة من البلاستيك، على الساعة السويسرية التقليدية التي تعمل بالحركة الآلية.
ولفهم الأسباب العميقة لهذا القلق، لابد من الاطلاع على نتائج مؤتمر مهم عقد في مدينة سيون عاصمة مقاطعة فالية في جنوب سويسرا في حزيران (يونيو) الماضي تم تكريسه لبحث مستقبل صناعة الساعات السويسرية في وجه التحدي الذي تفرضه "الساعات المتصلة إلكترونياً" التي تُحمل في المعصم والمكرسة لتقديم كافة البيانات والمعلومات الإلكترونية بما فيها تلك المتعلقة بالصحة.
كانت الخطوة الأولى على شكل أساور إلكترونية مصممة للرياضيين، ثم ما لبث أن تم تطويرها إلى "ساعات متصلة" تقوم بمهام أكثر اتساعاً، تسمح بتلقي رسائل نصية قصيرة، ورسائل إلكترونية، أو نداءات هاتفية من دون أن تضطر إلى إخراج الهاتف المحمول من جيبكَ، وقد واجهت الأجيال الأولى من هذه الساعات صعوبة في الإقناع، فكان لابد من تطويرها.
أما "الساعة المتصلة" لعام 2015، والتي سيتم الإعلان عنها غداً الثلاثاء، فتسهر على الشخص، وتراقب وضعه الصحي في جميع الأوقات، ففي الصباح تقيس نشاطه الجسماني، وفي الليل تراقب نوعية نومه عن طريق مراقبة التقلبات أثناء النوم، إنها تبقي إذاً عيناً مفتوحة على الوظائف الحيوية الرئيسة للجسم، خاصة ما يتعلق بمعدل ضربات القلب والضغط.
وربما، في يوم قادم، ستقوم بتحذيرك من خطر، أو تقوم هي بحد ذاتها بالاتصال بالمستشفى طلباً للنجدة، وستنقذ حياتك بطريقة أفضل بكثير مما تصوره كتَّاب الخيال العلمي في كتبهم أو مسلسلاتهم التلفزيونية.
حلم أو حقيقة؟ ليس مهماً، فكافة التقنيات التي تسمح بتحقيق ما هو خارج نطاق التصور الآن، متوافرة، والمسألة لم تعد سوى في مزاوجة التقنيات، فمثلاً تسعى شركة "سامسونج" لتطوير ساعتها "كير إس" ذات الشاشة المستطيلة المنحنية، بحيث تجمع كافة المهام التي يؤديها الهاتف المحمول في جهاز بحجم وشكل الساعة يتم لبسه في المعصم، لتصبح الساعة بمثابة هاتف ذكي صغير. أما شركة "إل جي" الكورية الجنوبية فقد صممت ساعتها "جي ووتش آر" لتكون بمثابة توسيع لمهام الهاتف الذكي.
بعض الأساور اتجهت بشكل خاص نحو المهوسين في اللياقة البدنية والركض، في حين صُممت أخرى لاستخدامات متعددة، وبعضها بسيطة الاستعمال، والأخرى معقدة وسيئة التصميم.
هنا، في هذا الوقت جاءت "أبل" لتدخل السوق في اللحظة المناسبة بمنتج مبتكر بعد أن أعلنت في حزيران (يونيو) الماضي عن منصة جديدة من البرمجة المتعلقة بالصحة باسم "هيلث كيت".
أين صناعة الساعات السويسرية من كل هذا؟ يقول، كونتس، لـ "الاقتصادية"، إن المعركة القادمة هي "المعصم"، فكل الجهود منصبة الآن نحو تصغير الأجهزة الإلكترونية ذات العلاقة بالساعة المتصلة، مضيفاً أن العالم يمر حالياً بالمرحلة نفسها التي تخلص فيها من الساعة ذات الجراب إلى الساعة التي تلبس في المعصم لضرورات الحرب العالمية الأولى قبل قرن كامل من الزمان. أشار كونتس، إلى أنه خلال الحرب العالمية الأولى كان ينبغي على الضباط أن يقيسوا بشكل دقيق التزامن بين سرعة حركة الخصم وآلياته مع وقت إطلاق القذيفة، وكان الأمر يتطلب لبس الساعة في اليد لتنفيذ هذه المهمة، أما الآن فالإنسان يحوِّل الهاتف والحاسوب إلى ساعة تلبس في المعصم كي يمضي قدماً في تنفيذ مهام آخرى لا تشغل يديه.
وتوقع كونتس أن يحول استلام الرسائل الإلكترونية على المعصم الساعات إلى داعم حقيقي للعلاقات الحميمة بين البشر، لأنها ستجعل من اتصالاتنا مع الأقارب والناس الآخرين أكثر طبيعية وسهولة.
لكنه حذر من أننا إذا ما بقينا مرتاحي البال نصنع الساعات التقليدية الآلية التشغيل ونبيعها بأسعار مبالغ فيها، فهذا خطأ فادح، ففي هذه الحالة نكون كالذي يبيع دمية تقليدية في عصر ألعاب الفيديو، والأسوأ هو أن تجري ثورة في صناعة الساعة المتصلة من دون دخول الصناع السويسريين ليصبحوا بعد ذلك من ضحاياها الجانبيين.
وطبقاً لأرقام حصلتها "الاقتصادية" من مؤسسة "أفنير سويس"، فإن مبيعات الأساور والساعات المتصلة خلال عام 2013 بلغت 700 مليون دولار، وهو رقم مثل زيادة تقرب من 600 في المائة خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2014، مقارنة بمجمل عام 2013.
لكن ما يقلق سويسرا أن المؤشرات حتى الآن تؤكد أن المبيعات الإجمالية من "الساعة المتصلة" في عام 2014 سيصل إلى نحو 2.5 مليار دولار، وهو ما يعادل 5 في المائة من قيمة مجمل مبيعات الساعات التقليدية في العالم في عام 2013 البالغة 50 مليار دولار كانت حصة سويسرا منها 24 مليار دولار.
ما يقلق بلاد الساعات أكثر أن المؤشرات تؤكد أن بيع 25 مليون قطعة من الساعات المتصلة سيصبح في متناول اليد ابتداء من عام 2015، وهو رقم يعادل مجمل الإنتاج السنوي للساعات المصنوعة في سويسرا.