بنك إنجلترا يواصل الإبقاء على سعر الفائدة 0.5 %
أظهرت الكلمة التي ألقاها محافظ بنك إنجلترا مارك كارني أمس، خلال لقائه مع اتحاد النقابات في مدينة ليفربول البريطانية، تمسكه بموقفه من ضرورة تغيير سعر الفائدة الراهن عند 0.5 في المائة، إلا أنه أصر على أن الوقت ليس ملائما بعد للقيام بهذه الخطوة، وأن المعدل الجديد لا بد أن يضمن للاقتصاد البريطاني مواصلة نموه الحالي.
كارني الذي أكد أن سوق العمل في بريطانيا يؤدي بشكل أفضل من نظيره الأمريكي، أشار إلى استيعاب الأسواق البريطانية مليون فرصة عمل جديدة منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية عام 2008، إلا أن ذلك جاء على حساب تراجع معدلات نمو الأجور التي انخفضت بنحو 10 في المائة منذ بدء الأزمة، وهو انخفاض لم تشهده بريطانيا منذ عشرينيات القرن المنصرم.
وأرجع محافظ بنك إنجلترا انخفاض إنتاجية الأيدي العاملة البريطانية إلى عوامل لا تمت بصلة لاتهامات "الكسل" التي تحيط بأدائها، وبرر ذلك بالآثار السلبية التي تركتها الأزمة المالية على قدرة رجال الأعمال على الاستثمار الرأسمالي وتطوير وسائل الإنتاج.
وتعد قضية الأجور ومعدل الفائدة لبنك إنجلترا قضية محورية في الاقتصاد البريطاني. إذ يصعب اليوم أن تطالع صحيفة بريطانية سواء كانت متخصصة في الشأن الاقتصادي أم لا أو تتابع نشرات الأخبار للقنوات البريطانية إلا وتجد هاتان القضيتان تحتل مقدمة العناوين.
وفيما يتعلق بسعر الفائدة تحديداً ينصب الحديث البريطاني على محورين أساسيين متى سيتخذ محافظ بنك إنجلترا قراره برفعه وما هو المعدل المتوقع.
الحوار الدائر لا يكشف فقط عن قناعة أغلب صناع القرار المالي أن الوقت حان لزيادة سعر الفائدة، بل يوضح حقيقية الدور المهم الذي تلعبه السياسات المالية في الاقتصاد البريطاني. فمع سياسة التقشف التي تتبناها الحكومة البريطانية كان محافظ بنك إنجلترا هو الشخص الوحيد القادر على جني المزيد من الأموال التي تدفقت على الاقتصاد البريطاني، بعدما قيد وزير المالية قرارات الوزارات المختلفة في الإنفاق.
إلا أن كارني لا يزال يحافظ على أوراق اللعب في يده، رافضاً الإفصاح عنها، فهو يمتنع حتى الآن عن الإعلان عن تاريخ محدد لرفع سعر الفائدة، بل لا يزال يراوغ في نظر الكثيرين في التصريح بشكل علني عن المعدل الذي يتوقع أن يصل إليه السعر الجديد.
ولـ "الاقتصادية" يعلق وليم ستيفنس نائب مدير قسم الإقراض في بنك إنجلترا قائلاً: "العامل الرئيسي وراء قرار رفع أسعار الفائدة يعود إلى أن السعر الراهن 0.5 في المائة هو أدنى سعر في تاريخ بريطانيا، وكان مبرر تبنيه هو الأزمة الاقتصادية، بيد أن الاقتصاد البريطاني في مرحلة تعاف، وهو الأسرع نمواً في بلدان الاتحاد الأوروبي، ومواصلة الإبقاء على هذا السعر ستعني أن المدخرين سيبحثون عن قنوات استثمارية أخرى غير إيداع أموالهم في البنوك، وفي إطار تعظيم معدلات الربح التي يحصلون عليها، لربما يستثمرون في أصول ذات مخاطر عالية، ما قد يتسبب في انهيار مالي."
اقتصادياً قد تكون مبررات البنك المركزي لرفع معدل الفائدة مبرره، إلا أن ذلك لا ينفي صراعا بين تيارين داخل لجنة السياسات المالية في البنك يدور حول ضرورة الأخذ في الاعتبار عوامل أخرى قد تدفع إلى التريث في قرار رفع الفائدة الآن، ويعد مارك كارني محافظ بنك إنجلترا أحد أبرز أنصار التأني في اتخاذ القرار، فهو يرى ضرورة دفع معدلات الفائدة للأعلى، إلا أنه يعتبر أن الانخفاض الراهن في مستويات الأجور، على الرغم من تراجع معدلات البطالة يتطلب عدم التسرع برفع الفائدة حتى نهاية العام الحالي على الأقل.
الدكتور ديفيد ادي أستاذ مادة النقود والبنوك في جامعة وارويك يصف وجهة نظر كارني بالحكيمة، ويعتبر أن الضغط الذي تمارسه وسائل الإعلام والمدخرين عليه للإسراع برفع أسعار الفائدة، يمكن أن تكون تداعياته الاقتصادية سلبية على الاقتصاد البريطاني بل على المدخرين أنفسهم.
ولـ "الاقتصادية" يعلق قائلاً: "التوقعات الراهنة بشأن المعدل السنوي للدخول تشير إلى احتمال تراجعها خلال الربع الأخير من هذا العام من 2.5 في المائة إلى 1.25 في المائة، ورفع معدل الفائدة في مثل هذا الوضع محفوف بالمخاطر، فسيؤدي إلى زيادة الضغوط التضخمية وسيزيد القسط الشهر للرهن العقاري على أصحاب العقارات، وأعتقد أن كارني يريد أن يسبق رفع معدلات الفائدة تحسن في مستويات الأجور."
وإذ أكد محافظ بنك إنجلترا خلال كلمته في ليفربول أن: "توقيت زيادة أسعار الفائدة غير مهم في ضوء أن الزيادة ستكون محدودة"، فإنه من المتوقع أن ينتقل الجدل الاقتصادي في بريطانيا إلى ما يمكن وصفه بمعدل الفائدة "الإيجابي" في إشارة إلى ضرورة أن يكون المعدل الجديد محفزاً للاقتصاد.
ويعتبر الدكتور ريست كامب الاستشاري لوزارة المالية البريطانية أن سعر الفائدة لا يمكن له أن يعود إلى المعدلات التي سبقت الأزمة الاقتصادية حيث تجاوز 5 في المائة، وأن الحد الأقصى الذي يمكن لبنك إنجلترا أن يذهب إليه الآن هو 3 في المائة على أن يتم ذلك تدريجياً، وليس عبر قفزة واحدة. ولـ "الاقتصادية" يعلق قائلاً: "رفع أسعار الفائدة بشكل كبير في فترة قصيرة سيؤدي إلى زيادة الضغوط التضخمية على أصحاب العقارات ورجال الأعمال في آن، فرفع الفائدة يعني خفض المتبقي من دخول أصحاب الرواتب والمعاشات بعد دفع القسط الشهري أو السنوي للعقار، وهو ما سيؤدي إلى انخفاض الاستهلاك العام، فإذا أخذنا في الاعتبار أن معدلات النمو الراهن تعود بالأساس إلى استهلاك الأسر البريطانية وليس الصادرات، فإن النتيجة الحتمية هي تراجع النمو."
ويضيف: "كما أن رفع أسعار الفائدة يعني عمليا زيادة التكلفة على رجال الأعمال، وهو ما سيضعف من قدرتهم التصديرية، خاصة في ظل عدم نجاح منطقة اليورو في الخروج من أزمتها، واستعادة قدرتها في استيعاب العديد من الصادرات البريطانية."
ومع هذا فإن الجدل الراهن حول سعر الفائدة في بريطانيا لا يمكن له أن يستمر طويلاً، فالانتخابات البرلمانية ستجرى في شهر أيار (مايو) المقبل، وعلى لجنة السياسات المالية في بنك إنجلترا أن تحسم النقاش بهذا الشأن تفادياً لأن يتخذ قرار رفع سعر الفائدة بعد فوات الأوان.