98 % من شركات النفط الصخري لا تستطيع مواصلة الإنتاج مع انخفاض الأسعار
استبعد مختصون نفطيون قدرة 98 في المئة من شركات النفط الصخري مواصلة الانتاج في ظل انخفاض أسعار النفط منذ شهر حزيران (يونيو) الماضي حتى الآن بنحو 25 في المائة من قيمتها، وخلال الأشهر الأربعة الماضية حيث تراجع سعر البرميل بقرابة 28 دولارا للبرميل الواحد.
آخر المتضررين من الانخفاض شركة توتال الفرنسية إذ تراجعت أرباحها نحو 2 في المائة خلال الربع الثالث من العام الراهن ليبلغ صافي الأرباح 3.5 مليار دولار مقابل 3.63 مليار دولار في الفترة ذاتها من العام الماضي. خسائر شركات النفط لم تقف عند حدود الخسائر في الأرباح، فخلال الأسابيع الماضية سحقت الأسعار السوقية للأسهم معظم إن لم يكن كل شركات البترول العالمية، وتراجعت قيمة أسهمها في البورصات الدولية لتقدر خسائرها جراء ذلك بالمليارات.
وصرح باتريك دو لا تشفيردير الرئيس المالي لشركة توتال قائلا: "سنبدأ بالشعور بتأثير انخفاض أسعار النفط في الربع المالي الأخير هذا العام، فانخفاض برميل نفط برنت بعشرة دولارات يعني خسائر في الأرباح الصافية بنحو 1.5 مليار دولار".
"توتال الفرنسية" لم تكن الخاسر الوحيد من تراجع الأسعار، فالوضع لدى عملاق النفط العالمي "بريتش بتروليم" البريطانية لم يكن أفضل حالا، فأرباح الشركة خلال الفترة المذكورة لم تتجاوز ثلاثة مليارات دولار أمريكي مقابل 3.7 خلال في الفترة ذاتها من العام الماضي.
وإن كانت الشركتان الفرنسية والبريطانية قد أرجعتا انخفاض الأرباح لتراجع قيمة الروبل الروسي حيث إن الشركتين من كبار المستثمرين في النفط الروسي، وأقرتا بشكل واضح أن تراجع أسعار النفط على المستوى العالمي لعب دورا رئيسا فيما منيا به من انخفاض في معدلات الربحية.
ومع هذا فإن وضع "توتال" و"بريتش بتروليم" لا يزال أفضل بكثير مما أصاب الشركات الروسية، التي من الواضح أن حجم خسائرها كان ضخما للغاية، إذ تواكب تراجع الأسعار مع الضغوط الناجمة عن العقوبات الأمريكية والأوروبية عليها.
ووصل الوضع بشركة النفط الروسية روسنفت أن تؤجل بشكل مفاجئ إعلان أرباح الربع المالي الثالث من هذا العام دون إيضاح الأسباب، وهو ما قرأه جميع المحللين الاقتصاديين باعتباره مؤشرا على خسائر فادحة منيت بها الشركة.
ويفتح وضع شركة النفط الروسية «روسنفت» الملف الخاص بحجم الخسائر التي مني بها الاقتصاد الروسي جراء هذا التراجع. فالنفط والغاز معا يمثلان 70 في المائة من إجمالي الدخل الروسي، وتقدر الخسائر الروسية بأرقام فلكية، فمع كل انخفاض في أسعار النفط بمقدار دولار واحد فقط تخسر موسكو ما قيمته مليارا دولار، وهو ما دفع صندوق النقد الدولي إلى الإعلان عن توقعه بألا يتجاوز نمو الاقتصاد الروسي خلال العام المقبل 0.5 في المائة مقابل 1 في المائة حاليا.
وعلى الرغم من إصرار موسكو على أن ميزانيتها لا تزال متوازنة وقادرة على التعامل مع تحديات انخفاض الأسعار، إلا أن أغلب الاقتصاديين المحايدين يعتبرون أن الرئيس فلاديمير بوتين في حاجة إلى ألا ينخفض سعر البرميل عن 104 دولارات ليظل قادرا على الحفاظ على الميزانية الروسية والروبل الروسي في وضع متوازن.
أحد أبرز الخاسرين من الوضع الراهن فنزويلا التي تعاني تضخما بلغت نسبته نحو 50 في المائة وأدت محاولات السيطرة الحكومية على العملة لبروز سوق سوداء ضخمة في البلاد ونقص حاد في العديد من السلع الحيوية، ودفعت الخشية من تفاقم الأوضاع بوزير الخارجية رافائيل راميريز إلى المطالبة بعقد اجتماع استثنائي لمنظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" في محاولة لوقف تراجع سعر برميل النفط
إيران ليست في وضع أفضل كثيرا من فنزويلا فهي في حاجة إلى أن يكون سعر البرميل 140 دولارا حتى تفلح في موازنة ميزانيتها الهشة، في ظل تزايد نفقاتها التسليحية وبرنامجها النووي بتكلفته المرتفعة، وسيصبح على الرئيس روحاني الاختيار بين الوفاء بتعهداته الانتخابية برفع مستوى معيشة المواطنين أو مواصلة الانصياع لضغوط المؤسسات والاستجابة لمطالبها بزيادة ميزانية المؤسسة العسكرية والبرنامج النووي.
في ظل هذه الخسائر التي مني بها العديدون في سوق النفط العالمية يعتبر كثير من المختصين أن الخاسر الأكبر هو الشركات المنتجة للنفط الصخري، خاصة في أمريكا. ويقول الدكتور وليم نيل الاستشاري لدى عدد من مؤسسات الطاقة الأوروبية لـ "الاقتصادية"، إنه إذا واصلت الأسعار انخفاضها فقد تكون هذه هي بداية النهاية لثورة النفط الصخري في أمريكا، فـ 98 في المائة من شركات إنتاج النفط الصخري الأمريكية تتساوى فيها التكلفة والعائد إذ بلغ سعر برميل النفط 80 دولارا للبرميل، وهذا يعني اقتصاديا أن هذه الشركات ستتوقف عمليا عن الإنتاج عند هذا السعر، والمتوقع أن تتوقف حتى قبل الوصول إلى هذا السعر لأن مواصلة الإنتاج لن تكون ذات جدوى.
وأضاف أنه خلال السنوات الخمس الماضية استثمر في أمريكا بمفردها نحو 500 مليار دولار في مجال البنية التحتية الهيدروكربونية والسبب أن أسعار النفط كانت مرتفعة تغطي تكلفة إنتاج النفط الصخري، وحتى مع التطورات التكنولوجية في هذا المجال وتزايد كفاءة العملية الإنتاجية فإن انخفاض السعر سيدفع العديد من المنتجين إلى الخروج من الأسواق، ولهذا أعتقد أن هذه الصناعة ستعاني آلاما حادة خلال الفترة المقبلة"
ويبدو أن المزاج العام للمستثمرين في الأسهم يسير في اتجاه إدراك طبيعة التحدي الذي تواجهه شركات النفط الصخري، وقد انعكس ذلك في تراجع أسعار أسهم تلك الشركات في البورصة الأمريكية. فأسهم شركة كونتنتال ريسورس وشركة ويتنج بتروليم تراجعت بنحو 5 في المائة وفي المتوسط تراجعت أسهم شركة اتشيززبيك للطاقة وهي إحدى أكبر الشركات في مجال استخراج النفط الصخري في أمريكا بنحو 7 في المائة، أما شركة هركليز أوف شور التي تقوم بأعمال الحفر لاستخراج النفط الصخري فإن أعمالها في هذا المجال تراجعت ما أدى لانخفاض قيمة أسهمها بنحو 6.3 في المائة. إلا أن التحديات التي تواجه صناعة استخراج النفط الصخري جراء انخفاض أسعار النفط لا تعني في نظر البعض نهاية تامة للشركات العاملة في هذا المجال. وأشار المهندس وليسن ميل المختص في مجال إنتاج النفط الصخري لـ "الاقتصادية"، إلى أنه بصفة عامة ستضرر الشركات ذات التكلفة المرتفعة، إلا أن بعض الشركات يمكنها أن تحقق أرباحا حتى لو انخفض سعر البرميل إلى 52 دولارا. وخلال العامين الماضيين فإن أسواق النفط شهدت وفرة مدعومة من النفط الصخري القادم من الولايات المتحدة خاصة من نورث داكوتا وتكساس وكلورادو، فمنذ عام 2011 زاد الإنتاج الأمريكي بنحو ثلاثة ملايين برميل يوميا وهو ما يعادل إجمالي الزيادة العالمية، لتصل أمريكا إلى أعلى معدل لإنتاج النفط خلال الـ 30 عاما الماضية، حيث يتوقع أن يصل إنتاجها من النفط إلى 9.5 مليون برميل يوميا العام المقبل وفقا لهيئة معلومات الطاقة الأمريكية.
ومن ضمن الخاسرين جراء انخفاض أسعار النفط الشركات الباحثة عن وسائل جديدة لتوليد الطاقة، إذ يؤدي انخفاض سعر برميل النفط إلى مواصلة المستهلكين إلى الاعتماد على الأساليب التقليدية في توليد الطاقة وعدم البحث عن وسائل بديلة تؤدي إلى خفض فواتير الطاقة الشهرية. ويعتقد البعض أن تطوير شركات صناعة السيارات للسيارات الكهربائية قد يتم الحد من اندفاعه الراهن، إذ من المتوقع أن ينخفض الطلب على السيارات الكهربائية في ضوء انخفاض أسعار البنزين والسولار في العديد من البلدان المتقدمة.