اتفاقية دولية تنهي عصر السرية المصرفية
وداعا للملاذات الضريبية، انتهى عصر السرية المصرفية. غير أنَّ هذا الوداع لم يتم حتى اللحظة الراهنة، ولن يكون غداً، لكنه آتٍ، فقد وقعت أكثر من 50 دولة في برلين أمس على اتفاقية متعددة الأطراف تتبني نظام التبادل التلقائي للبيانات المصرفية تخص مشمولين بدفع الضرائب، ابتداء من نهاية عام 2017، وفي كل الأحوال لن يتم تطبيق هذا النظام بأثر رجعي.
وعقب التوقيع على بيان المنتدى العالمي حول الشفافية الضريبية الذي يتولى مسؤولية هذا الملف على الصعيد العالمي، قال مارتن ياجر الناطق باسم وزارة المالية الألمانية في اتصال هاتفي أجرته معه "الاقتصادية" إن "هذا يوم أسود للمتهربين من الضرائب، فمخاطر انكشاف مثل هذا العمل في حالة تكراره يمكن أن تصل في وقت قريب جداً، إلى 100 في المائة. الرسالة واضحة: لا يوجد هناك مليم واحد يمكن أن يربحه المتهرب من الضرائب.
وبيان المنتدى هو في الواقع الصيغة النهائية لمعايير وضعتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لمحاربة التهرب الضريبي، وتم وضع الصيغة النهائية في بداية العام الحالي، وصادق عليها وزراء مالية مجموعة العشرين في اجتماعهم في 22 و23 شباط (فبراير) في سيدني.
وطبقاً للمعايير، المستوحاة إلى حد كبير من قانون الضرائب الأمريكي "فاتكا" (قانون امتثال الحساب الأجنبي للضرائب)، فإنَّ جميع المعلومات المصرفية، سواء المتعلقة بالسحب والإيداع، أو الأرباح، والدخول، والفائدة والمبيعات، سيتم تبادلها تلقائياً بين الإدارات الضريبية للبلدان الموقعة.
وابتداء من أيلول (سبتمبر) 2017، ستتمكن البلدان الخمسين والتي ستنضم لها فيما بعد، تبادل البيانات عن حسابات دافعي الضرائب في المصارف الخارجية، وعن المؤمِّنين، أو شركات التأمين، طالما كانت مبالغ التأمين تخصم من الضرائب، وكذلك من المؤسسات المالية المتخصصة في الادخار والاستثمار وغيرها. وستتمكن مؤسسات الضرائب من معرفة رصيد الحساب، ومقدار الفائدة، وأرباح الأسهم التي أضيفت على الحساب، وأيضاً الإيرادات من عقود التأمين، والميراث، وبيع الممتلكات، وكل شيء تقريباً.
وتم استبعاد مؤسسات التأمين الاجتماعي، وصناديق المعاشات التقاعدية، والتأمين ضد الأضرار أو الحوادث، والسلطات الحكومية، والمؤسسات الرسمية، والمصارف المركزية، والمنظمات الدولية من ميدان تطبيق الاتفاق.
وأضاف ياجر لـ "الاقتصادية" أن عصر السرية المصرفية انتهى حقاً وفعلا، إذ نجد من بين الموقعين بلداناً مثل لوكسمبورج، المحامي السابق عن السرية المصرفية، وأيضاً عدة جُزر في البحر الكاريبي كانت منذ أمد بعيد ملاذاً آمناً للضرائب.
وفيما يتعلق بسويسرا، فهي لم توقع على الاتفاقية لكنها تعهدت بوضوح في المضي في طريق التبادل التلقائي للمعلومات، والتزمت بجدول أعمال المنتدى العالمي المتعلق بتطبيق تبادل البيانات المصرفية، حسب ما قاله فابريس فيليز المتحدث باسم الوفد السويسري المشارك في المنتدى.
وكانت الحكومة السويسرية قد أعلنت في 13 تشرين الأول (أكتوبر) عن نيتها في التعاون في مجال التبادل التلقائي للبيانات المصرفية مع الدول التي وقعت معها اتفاقيات بهذا الشأن، قائلة إنَّ المصارف يمكن أن تبدأ في جمع البيانات المتعلقة بدافعي الضرائب الأجانب ابتداء من عام 2017، على أن تمارس أول تبادل للمعلومات في أول عام 2018. وستقوم المصارف والمؤسسات المالية بنقل البيانات إلى سلطات الضرائب في بلدها على أن تقوم هذه بنقلها إلى نظيرتها في البلدتان الأخرى عبر وزارة الخارجية.
ومن الآن حتى ذلك التاريخ، ستجري سويسرا عملية تعديل ضخمة لقوانينها وأنظمتها كي تأتي منسجمة مع هذه الخطوة. لكنها قالت إنه سيكون بمقدور السلطة التشريعية، بمجلسيها النواب والشيوخ، إبداء رأيها في الموضوع، بمعنى إمكانية التصويت عليه، مؤكدة أيضاً أنه إذا ما اقتضى الأمر قد يحتاج التبادل التلقائي للبيانات المصرفية إلى موافقة الشعب، أي أن هناك إمكانية لطرح الموافقة على التصويت الشعبي، وهو أمر مستبعد.
وشدد فيليز، على القول إن البرنامج المُعد لتطبيق التبادل التلقائي سيتم احترامه بشرط قبول الدول المنافسة لسويسرا كافة شروط تبادل المعلومات، مضيفاً أن تبني المراكز المالية الكبرى المنافسة لسويسرا التبادل التلقائي، من شأنه أن يخلق مساواة في المعاملة بين الجميع، وفي هذه الحالة لن يكون بمقدورنا سوى الترحيب بهذه الآلية.
وكانت الولايات المتحدة الغائب الأكبر عن المؤتمر، على الرغم من أنها أصل كافة الإجراءات الداعية لمكافحة التهرب الضريبي. وحسب معلومات "الاقتصادية" فإن الولايات المتحدة ترفض، حتى الوقت الحاضر، تطبيق التبادل التلقائي للبيانات المصرفية على أساس مبدأ المعاملة بالمثل.
في المقابل، تحرص الحكومة السويسرية على القول دائماً إنَّ تقديم المعلومات المصرفية إلى الدول الأخرى، بما فيها الولايات المتحدة، سيكون على أساس المعاملة بالمثل.
ووافقت ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وإسبانيا، وإيطاليا، ومعظم البلدان الأخرى الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية الـ 34، و13 دولة أخرى، من بينها الصين وروسيا، على تبادل المعلومات الضريبية على أساس تلقائي مع بلدان أخرى، لكن سويسرا وسنغافورة، وهما من المراكز المالية المهمة، لم تخطوا هذه الخطوة إلا بعد أن هددتهما المنظمة بالمقاطعة في خريف عام 2012.
وطبقا لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية التي تضم في أغلبها دولا أوروبية، فإن أكثر من نصف مليون شخص خاضع للضرائب في العالم قد انتهى من تصحيح وضعه مع مؤسسة الضرائب في بلده خلال السنوات القليلة الماضية، وأن هذا التصحيح أسفر عن جمع مبلغ يقترب من 37 مليار دولار.