غياب صالات السينما لا يمنع إحياء مهرجاناتها في السعودية
يبدو أن فاقد الشيء "يعطيه"، فبعد أعوامٍ من الأخذ والرد والرفض والمطالبات والتمنيات، إضافة لتجاوز الأفلام المصنعة سعوديا حاجز الـ300 فيلم، استطاعت الأحساء أن تتفرد بالحدث بتنظيمها مهرجان الأفلام القصيرة الأول على مستوى المملكة، بتعاون مشترك ما بين جمعية الثقافة والفنون، والرئاسة العامة لرعاية الشباب.
وعلى الرغم من نجاح المهرجان وتحكيمه 17 فيلما من ناحية التصوير والإخراج والمونتاج والتمثيل والموسيقى، وفيما أثبت نجاحه في الأحساء وأخذت الوعود بتنظيم مشابه له في جدة وآخر في الرياض والدمام، إلا أن الاحتفاء بهذا الحدث لم يرق لكثيرين كانوا متعطشين للمشاركة، كما أن شروط رعاية الشباب أصابتهم بشيء من الإحباط والحنق على الرغم من مباركتهم لهذه الخطوة التي تم انتظارها منذ أن أنتج أول فيلم سعودي في العام 1975م.
وبحسب يعقوب المرزوق –أحد منظمي المهرجان– فللرئاسة العامة لرعاية الشباب مبررها، إذ اشترطت بعض الأمور للمشاركة في أنشطتها، فلو كان العرض مفتوحا لجميع الفئات والأعمار فستكون المنافسة أكبر بنسبة تفوق الستة أضعاف المشاركات التي حصدها المهرجان الحالي، كما أن رعاية الشباب تُعنى بالشباب السعودي وله الأولوية في تحصيل الجوائز، وهو لا يختلف عن مهرجانات أخرى دولية تفرد جوائزها لمواطنيها، كما نرى في مهرجان نقش الذي حافظ على هذه السمة بإشراكه الأفلام العالمية والخليجية في دورته الثالثة.
ويتوقع المرزوق أن يكون تبني رعاية الشباب للمهرجان بادرة خير لصناعة سينمائية معترف بها، خاصة أن هنالك حساسية تجاه كلمة "سينما" في المملكة، قائلا، إن الأهم من الاعتراف هو استمرار هذه المهرجانات، مضيفا أن الاحتواء الداخلي سواء أكان من خلال المهرجانات، أو المسابقات سيوجد جوا ومناخا سينمائيا إبداعيا سينعكس على المشاركات الخارجية التي هي في الأساس حاضرة وبقوة في المهرجانات الدولية وفي تحقيق الجوائز والمراكز المتقدمة حتى وصلت إلى مهرجان كان والأوسكار.
ويضيف المرزوق "يجب علينا كصناع أفلام سعوديين أن نوجد لنا هوية سينمائية سعودية"، مؤكدا أن مهرجان الأفلام القصيرة الشبابي الأول نجح تنظيميا وإداريا وبامتياز مقارنة بالمهرجانات المشابهة محليا وإقليميا، لافتا إلى أن أحد الأفلام المشاركة عرض في مهرجان دبي السينمائي تحت تصنيف عرض عالمي أول، وهو الأمر الذي يبين أن فرصة المشاركة أتيحت لجميع من انطبقت عليه الشروط سواء كان مبتدئا أو ممن أثبت اسمه خارجيا.
الإعلامي محمد الحمادي –أحد حكام المهرجان– أوضح أن مبادرة رئيس جمعية الثقافة والفنون في الأحساء الأستاذ سلطان البازعي بإقامة عدد من المهرجانات، وتحرك الرئاسة العامة لرعاية الشباب بإطلاق المهرجان الأول للفيلم الشبابي القصير كان بصيص أمل للكثير من الشباب الذي أصيب بإحباط تام بعد توقف أغلب مهرجانات السينما في السعودية إن لم نقل كلها، كونها المتنفس الوحيد لنشر ومشاركة إبداعهم السينمائي مع الغير، وهي التي قدمت لنا شبابا سينمائيا استطاع أن يقول من خلال إبداعه، أنا موجود، ومن تلك المهرجانات مهرجان العروض القصيرة في الأحساء ومهرجان جدة ومهرجان الدمام، حتى المهرجان الأخير الذي أفرح كثيرا من الشباب وهو مهرجان الفيلم السعودي في "روتانا" توقف هذا العام وتم توزيع جوائز العام الماضي بعد أكثر من سنة مما يدل على أن هناك مشكلة ما، ولو توسعنا قليلا، فهنالك أيضا مهرجان الخليج السينمائي في دبي الذي يعد البوابة الأولى لشباب الخليج والشباب السعودي تحديدا توقف هذا العام لأسباب لم يتم الإعلان عنها، فكيف سيكون المستقبل بدون مهرجانات سينمائية إذا كان فتح دور السينما أصبح مستحيلا.
#2#
ويضيف الحمادي موضحا أن مهرجان الأفلام الذي رعته الرئاسة العامة لرعاية الشباب الذي استقطب عديدا من الشباب يعد خطوة في الطريق الصحيح، متوقعا أن يكون عام 2015 م سيكون حافلا بالكثير من المهرجانات السينمائية على مستوى المملكة ما سيحفز كثيرا لصناعة الأفلام والمنافسة على الكيف لا الكم فقط.
ويشير إلى أن الفيلم السعودي القصير لم يعد رقما عابرا فقط وإنما رقم صعب في المهرجانات العربية والعالمية، قائلا، "لن أتمكن من سرد الإنجازات الكبيرة التي حققها المخرجون الشباب في مهرجانات عالمية وشهد بجودتها سينمائيون كبار وفنانون لهم باعهم الطويل في السينما وهذا ما تطرقت له في برنامجي (سينما شبابية) على مدى 3 أعوام استضفت أكثر من 200 شاب وتم عرض ما يقارب 250 فيلما قصيرا، وتستمر المسيرة لأنه لا يمر أسبوع وبدون مبالغة إلا ويطرح فيلم جديد ومميز وهذا هو الأهم".
وأوصى الحمادي بمنح الشباب فرصا لعرض إبداعاتهم ومشاركاتهم وفتح أبواب المنافسة والعروض القصيرة في الجمعيات التي بالفعل خطت هذه الخطوة التي تشكر عليها وأصبح للسينما فيها مكانا لا بأس به ونطمع إلى المزيد من جهود جهات أخرى.
ويرى علي الغوينم – رئيس المهرجان – أن الرئاسة العامة لرعاية الشباب عادت وبقوة لممارسة دورها الثقافي والفني كما كانت سابقا، وذلك لأهمية هذا الدور بالنسبة للشباب الذين تتعدد لديهم الميول للكثير من الأنشطة الثقافية والفنية ومنها ميدان الأفلام القصيرة الذي يهواه قطاع كبير من الشباب وحققوا من خلاله عديدا من الإنجازات لهذا الوطن الغالي، مبينا أنها خطوة مهمة وتخدم فئة كبيرة من الشباب أوجدوا طريقا فنيا محببا، اجتهدوا من خلاله لتقديم الأجمل وطوروا إمكاناتهم الفنية بشكل ذاتي في معظم الأحيان، لاكتشاف مواقعهم بين أقرانهم، من خلال ما يعرضونه في اليوتيوب، أو من خلال المشاركات المحلية والدولية.
ويؤكد الغوينم على أهمية احتواء هؤلاء الشباب، لصقل تجاربهم من خلال إقامة مثل هذه المهرجانات والورش الفنية واللقاءات الخاصة، والمفاضلة بين الإنتاجات لتقديمها في المشاركات الدولية، حسب ما تراه لجان تحكيمية متمرسة وبهذا نوجد أجواء من التنافس الشريف غايته تقديم الأفضل للوطن.
ومن الملاحظ كما يقول الغوينم أن الجيل الحالي يراعي عادات وتقاليد وأعراف المجتمع فيما يطرح، مشيرا إلى أن تزويد الشباب بما يحتاجه من الخبرات العلمية والعملية في مناخ ثقافي وفني يراعي فيه المكان اللائق لممارسة هوايته في أجواء نفسية واجتماعية تحقق لديه الإبداع وحب الابتكار سيوجد جيلا واعيا ثقافيا وسينمائيا، مضيفا أن السلم يتم صعوده من البداية والتأسيس المبني على العلم والتجربة مطلب مهم حتى نواصل الصعود بهدوء وانسيابية والاهتمام بالفئة المبتدئة من الشباب مهم وعندما تتكون التجربة وتتاح الفرص للشباب بالمشاركات الداخلية وبشكل فيه استمرارية لا شك أن التطور في الأداء سيبدأ بالوضوح وسنحكم من اشتراك الشباب مع غيرهم في المنافسات الخارجية بمدى ما وصلوا إليه في هذا العالم السينمائي الساحر والجميل، فالوصول للعالمية والدخول في منافسات المهرجانات الخارجية كما يقول هو حلم يأمله ويتأمله كل شاب يتمنى أن يحققه.
ويتمنى الغوينم أن يكون هذا الوصول عاكسا لجهد وعمل حقيقي تمت إتاحته لهذا الشاب ليصل بوطنه إلى مثل هذه المنافسات التي توضح مكانة طيبة لهذا الوطن، فالأمل أن يكون الإنجاز مقترنا بما تم تقديمه ليشكل نصرا حقيقيا توافرت فيه كل الجهود.
وأشاد الكاتب علي آل حمادة بتبني مهرجانات الأفلام من الجهات الحكومية أو حتى الأهلية لتشجيع المهتمين من الشباب في هذا الفضاء الواسع بالتقدم وتمثيل الوطن في المحافل الخارجية، لاسيما أن الفيلم السعودي تفوق في كثير من المناسبات وبرهن بأن له الأسبقية بين إنتاجات الدول الخليجية وربما العربية والعالمية متى ما توافرت الأرض الخصبة لهذه الصناعة، إلا أنه يرى في الوقت نفسه أن تبني رعاية الشباب للمهرجان إنما هي أول قطرة غيث تروي ظمأ السينمائيين ولكن لا تروي عطشهم، لحاجتنا إلى وقفة صادقة تتبني السينما الحقيقة التي تنمي وتوعي الإنسان.
وطالب حمادة بأن يكون المهرجان انطلاقة لعقد ملتقيات وندوات تسهم في التطوير السينمائي السعودي في جميع ما يمس هذه الصناعة من مرحلة ما قبل الإنتاج إلى ما بعده، مشيرا إلى أن المنافسات الداخلية ستكون وسيلة لتطوير السعودي والخليجي كذلك متى ما فتحت أبوابها للخليجيين والعرب والعالميين كما يحدث في دبي والبحرين اللتين تحتضنان الفيلم السعودي، كما أن إتاحة الفرصة للشباب لا شك سيوجد جيلا سينمائيا تواقا ذواقا لهذه الحرفة التي أصبحت تظهر البلاد بشكل راقٍ مثقف يعكس تقدم هذا البلد فضلا عن العائدات المادية الكبيرة.
ويقول من باب أولى احتضان هذه الطاقات في أرضها ووطنها لأنها تعكس ثقافة وهموم الإنسان، لافتا إلى أن الفيلم السعودي كما يرى يعكس إصرار الشباب على هذا الفن ومواصلته الحلم بخطى ثابتة متطورة، وما يثبت ذلك أنها أصبحت مطلبا في بعض المهرجانات والمحافل لما فيها من حس فني عالٍ وراقٍ، وكل ذلك بمجهودات واجتهادات فردية من شباب طموح ليصل باسم المملكة عاليا في عالم السينما فتراه يبذل الوقت والمال من أجل اكتساب الخبرة في المشاركات الخليجية والعربية والعالمية.
ويعتقد آل حمادة أن تحديد عمر المشاركين في بعض المهرجانات هو بمثابة تحجيم للمسابقة نفسها، وربما اشتراط ذلك يؤثر سلبا على بعض المشاركين وعدم تقدمهم وتطور أدواتهم لتغييب عنصر مهم ألا وهو الاحتكاك والاستفادة من الخبرات، كما يلفت إلى أهمية استضافة أسماء نوعية لها خبراتها وثقلها في السينما على المستوى العربي والعالمي لنقل ما لديهم من معلومات إلى الشباب المهتم هنا.