عام 2014 نفطي
«لسنا مدمنين على النفط. سيارتنا هي المدمنة»
جيمس وولسي رئيس جهاز الاستخبارات الأمريكية السابق
أيا كانت طبيعة وأهمية الأحداث الاقتصادية التي مرت على العالم في النصف الثاني من العام المنصرم، كان النفط "سيدها" غطى حتى على أزمة الديون في منطقة اليورو والنمو الاقتصادي الخجول في الولايات المتحدة وتباطؤ نمو الاقتصاد الصيني. فرض مسبباته على الأسهم العالمية في الأخبار الاقتصادية كان الخبر الأول، وفي التحليلات شغل مساحات واسعة النفط صبغ عام 2014 بألوان عدة، مشتقة أساسا من لونه الأساسي لتستمر هذه الألوان في العام الجديد وربما إلى ما بعده. فاق الحدث النفطي مستواه الذي كان عليه في عام 2008 عندما تعرضت الأسعار للنزيف، ونسي البعض "في زحمة تلاحق الحدث" ما حدث في أواخر تسعينيات القرن الماضي عندما وصل سعر برميل النفط إلى أدنى مستوى له وفي كل الأحوال يبقى النفط تلك السلعة التي تخشى منها وتخاف عليها.
يقول المؤلف والأديب الاسكتلندي جيمس بوتشان "قبل قرن من الزمن، كان النفط مجرد سلعة. اليوم، توازي أهميته بالنسبة للجنس البشري، أهمية الماء نفسها". وهو بالفعل كذلك. في أحد الأيام قالت رئيسة وزراء إسرائيل جولدا مائير الراحلة كفرا بهذا الصدد. ماذا قالت؟ "دعوني أقول لكم ما لدى الإسرائيليين ضد النبي موسى. سار بنا 40 عاما عبر الصحراء، لكي يأتي يجلبنا إلى بقعة في الشرق الأوسط بلا نفط". لقد نسيت مائير لوهلة، ادعاءاتها الباطلة ومعها قادة إسرائيل بـ "الأرض الموعودة"، من فرط حاجات كيانها للنفط. فلا غرابة أن تتصدر هذه السلعة المشهد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في أي لحظة. وعندما تكون التحولات النفطية أكثر دراماتيكية، يكون معها المشهد العام كله أكثر محورية.
وأيا كانت التحولات أيضا، تبقى السعودية اللاعب الأهم على الساحة النفطية. حاولت بعض الجهات في السنوات الماضية التقليل من هذه الحقيقة. ولكنها نسيت أنها حقيقة، تُحسب كما هي، لا كما تشاء التمنيات. واستراتيجية المملكة عززت من قوتها. البعض اعتبرها مخاطرة، لكن التطورات أظهرت أنها ليست كذلك بأي صورة من الصور. وعندما توضع الاستراتيجيات وفق معايير وحقائق السوق، لا مخاطر تظهر، خصوصا عندما يكون واضع الاستراتيجية محوري المكانة في السوق، لا هامشيا أو موسميا. وهذه الاستراتيجية هي التي عززت صبغة عام 2014 كـ "عام النفط". العام الذي سجل في التاريخ، لا لكونه شهد تراجعا بلغ أكثر من 50 في المائة في أسعار النفط في غضون ستة أشهر، بل لأنه عام السياسة الجديدة لهذه السلعة. عام تغيير "الثقافة" التي تخصها. عام الحفاظ على الكبير النفطي الحقيقي، لا ذاك الذي يدخل ويخرج من السوق، على مبدأ "اضرب واهرب". إن السلعة الاستراتيجية ليست قابلة لهذا النوع من الإنتاج والتجارة.
التحولات كثيرة تلك التي انطلقت في عام 2014 على الصعيد النفطي. من بدء نجاح استراتيجية محاصرة النفط الصخري، إلى خسارة شركات النفط العالمية الكبرى جزءا من قيمها السوقية، إلى ازدهار ما يمكن وصفه بـ "التخزين العائم". ففي الأسابيع الستة الأخيرة من العام المنصرم، انخفضت أعمال حفر النفط الصخري في الولايات المتحدة بمعدل 17 في المائة. وهناك عديد من الآبار الصخرية تتوقف أسبوعيا. بل تراجعت حتى أنشطة التنقيب التقليدية في أمريكا الشمالية، وهي مرشحة للتراجع بمعدلات عالية جدا في العام الجديد تصل إلى 14.1 في المائة. بعض الجهات الأمريكية، تعتبر أنها لا تستطيع المضي قدما في الإنتاج إذا بقي سعر برميل النفط في حدود 50 دولارا للبرميل. البعض الآخر تحدث عن 60 دولارا.
إنها تحولات تاريخية على الصعيد النفطي بكل معنى الكلمة. فحتى النصف الأول من العام المنصرم، لم تكن مثل هذه التطورات مطروحة للنقاش أصلا، خصوصا مع ارتفاع التوتر في أكثر من منطقة حول العالم تنتج النفط والغاز. لن تمر هذه المرحلة بالطبع دون خسائر، فعلى سبيل المثال تراجعت أسهم 22 شركة تنتج النفط والغاز من أصل 24 شركة كبرى تعمل في هذا المجال. وبلغت خسائر "شيفرون" و"إكسون موبيل" معا "وفق آخر البيانات" 95 مليار دولار. بعض الشركات خفض رواتب العاملين فيها، والبعض الآخر بدأ في تنفيذ خطة تسريحات. وسينخفض الإنفاق العالمي في مجال الطاقة في العام الجديد في حدود 6.7 في المائة. ويرى بنك "باركليز" البريطاني في تقرير أخير له، أن الشرق الأوسط سيكون مصدر القوة الوحيد في العالم حيث يتوقع أن يزيد الإنفاق 14.5 في المائة مع تمسك الشركات بخطط الحفر.
لقد انطلقت شرارة التغيير في عام 2014، وستستمر إلى العام الجديد وما بعده، إلا أن الحالة الطبيعية للسوق لم تكن طبيعية تماما في السنوات القليلة الماضية. سيكون هناك المزيد من الخاسرين وأيضا المزيد من الرابحين وستتبدل قناعات كثيرة، كما ستتكرس حقائق عديدة موجودة أصلا على الساحة لكل تغيير ثمنه وعام 2014 كان عام النفط المتغير نحو الثبات.