ألاعيب يلعبها الناس
"شهرزاد"، هو اسم الفتاة التي كانت تقص حكايات "ألف ليلة وليلة". إننا لا نملك معلومات كثيرة عنها، باستثناء أن الرواة يروون حكاياتها الغريبة للترفيه عن الناس، التي برعت في تأثيرها، مزعزعة بها قوانين الملك "شهريار". كانت تختم كل ليلة حكايتها بالمقولة الشهيرة "جاء الصباح.. فسكتت شهرزاد عن الكلام المباح". الأمر الذي جعل شهريار يتخلى عن "مشروعه المرعب".
وللناس ألاعيب ومآرب أخرى، فها هو أحدهم يقول لزميله في العمل، في محاولة لإحباطه: "حاول تطبيق ذلك إن استطعت". ويقول الآخر موجها: "لو كنت مكانك لفعلت كذا وكذا". ويقول ثالث بنية التحريض: "كيف تسكت عن ذلك!".
تلك ما هي إلا بعض صور "الألاعيب" التي يلجأ إليها الناس في مختلف المواقف، وفي كل زمان ومكان. فالإنسان هو الإنسان، أينما ولى وذهب. وعلى الرغم من أن هذا المفهوم قد يحمل جانبا مظلما في كثير من الأحيان، إلا أنه قد ينطوي على نواح "بيضاء" أيضا. كما أنه قد يخرج عن ثنائية الأبيض والأسود، فيصعب تصنيفه. إلا أنه يعني أمورا مبطنة يريد الإنسان تحقيقها لنفسه، من خلال استخدامه لأسلوب غير مباشر "للتأثير" في الطرف الآخر، لينال مطلبه ومبتغاه!. وبطبيعة الحال، فإن هنالك من الألاعيب ما تنفرد بها مجتمعات، دون الأخرى!
وبنظرة إدارية على واقع الحال في ثقافتنا المحلية، نرى بعض الألاعيب الخاصة بنا. فعلى سبيل المثال، سنلاحظ في كثير من منظماتنا غلبة العواطف في اتخاذ بعض القرارات وتسيير كثير من الأمور، ومن ثم الاتكاء على نغمات "الفزعة" و"علوم الرجال"، من أجل توظيف أقارب أصحاب القرار و"حمولتهم". ولسان الحال يقول: (من كانت له حيلةٌ، فَلْيَحْتَلْ). وإذا ما تم اتخاذ قرار بحق الشخص مخالفا لمبتغاه، اتهم متخذ القرار بـ"النذالة" و"عدم تقدير الرجال".
يظهر ذلك جليا حين يكون المدير دائرته الداخلية المحيطة به Inner Circle. التي تعني ببساطة، تقريب القيادي لبعض من حوله في هذه "الدائرة"، وإقصاء آخرين. وفي ثقافتنا الإدارية، في حين أنه ينبغي أن تعتمد هذه العملية على "الجدارة" في المقام الأول، نجدها تخضع في الأساس لعديد من المعايير الأخرى البعيدة عن الجدارة، كالقرابة، والجاذبية الشخصية، وغيرها من العوامل التي تلغي كل مفاهيم الكفاءة والجدارة، التي تجعل الآخرين يستخدمون ألاعيب وحيلا مختلفة، من أجل الدخول في هذه الدائرة.
وفي هذه الألاعيب، يلجأ الناس إلى تكتيكات متنوعة، ويتقمصون أدوارا مختلفة وفقا للموقف. وهذه الأدوار صنفها "إريك بيرن" في كتابه Games People Play، إلى ثلاثة أدوار رئيسة: "الأبوي الموجه، والبالغ الراشد، والطفولي البريء". الأمر الذي يتطلب ذكاء وفطنة، ووعيا غير معلب، وثقة عميقة بالذات، ومعرفة لفنون التواصل مع غيره، لفهم النوايا والدوافع، ونقاط الضعف من أجل النأي بالنفس من تأثير تلك الألاعيب. أما من يفتقر لجملة الصفات تلك، فسيبقى أسيراً لتوجهات وتوجيهات غيره، ولن ينتظر منه أن يصرخ ذات يوم على طريقة "أرخميدس" قائلا: وجدتها!!
والحقيقة أن كثيرين باتوا يتذاكون في ممارسة الألاعيب، والبراعة فيها، إما لاستعراض القوى، أو لتغيير توجهات الآخرين والتأثير فيهم، والتفكير نيابة عنهم، أو لتحصيل مكاسب معينة. وتحولت الألاعيب من حالات فردية لمن لا يرون أبعد من أنوفهم المزكومة، إلى وباء منتشر يفسد العلاقات والقرابات والمهن والأعمال، دون خجل ولا وجل.