القرية التراثية بالعلا تاريخ عريق من العصر الإسلامي وإلى القرن 21
تعتبر البلدة الإسلامية التي تقع وسط محافظة العلا التابعة لمنطقة المدينة المنورة، من أشهر القرى التراثية بالسعودية، حيث تعود لبدايات العصر الإسلامي وتعد إحدى ثلاث مدن إسلامية في العالم أجمع ما زالت باقية، ويقطنها ما يقارب 60 ألفا من السكان، هي المدينة الإسلامية بمساجدها ومنازلها وأسواقها وأسوارها، تعاقب أهالي العلا على بناء هذه البلدة والسكن فيها جيلا بعد جيل حتى هجرت تماما من السكان قبل 40 عاما تقريبا.
وتقع الساعة الشمسية جنوب البلدة الإسلامية وهي عبارة عن بناء هرمي الشكل وتستخدم لمعرفة دخول الفصول الأربعة خاصة دخول فصل الشتاء, وذلك عن طريق حجر مغروس في الأرض أمام البناء الهرمي, حيث يصل ظل الساعة الشمسية إلى هذا الحجر في اليوم الأول لدخول فصل الشتاء في 21 من كانون الأول (ديسمبر) وهو اليوم الأول لدخول فصل الشتاء, ولا يمكن أن يصل ظل الساعة الشمسية إلى هذا الحجر مرة أخرى إلا في العام القادم وفي التاريخ نفسه, ولا تزال تستخدم حتى اليوم، حيث يستمتع الكثير من الزوار والسياح بمشاهدة هذا الحدث الذي لا يتكرر إلا مرة كل عام.
وتحتضن العلا عديدا من الآثار الإسلامية القديمة، فقد مر بها الرسول صلى الله عليه وسلم وصلى بها، ويؤكد مؤرخون أن موسى بن نصير أقام فيها قلعة تاريخية في أعلى جبل بوسط العلا، وتطل على القرية القديمة للعلا، وفي الوقت الحالي رممت بعض منازل القرية، وتعد البلدة القديمة من أهم الآثار الإسلامية.
وأصبحت البلدة تحت إشراف الهيئة العامة للسياحة والآثار، مزارا منظما للسياح، ويوجد فيها مطل على القرية القديمة من القلعة، والصاعد لها يطل على تاريخ العلا وحاضرها، ويشاهد جبالها ونخيلها، وهناك قلعة الحجر الإسلامية، ويقال إنها من العصر العباسي، وكانت في ذلك الوقت استراحة لحجاج بيت الله الحرام.
ويتجاوز أعمار بعض المنازل هناك مئات السنين إلا أن بعض حجارتها المستخدمة في البناء تحتوي على نقوش لحيانية تعود إلى آلاف السنين ولفترة كانت تعرف فيها العلا باسم ديدان، حيث جلبت هذه الحجارة من موقع الخريبة, إلى جانب أن الديرة أو القرية التراثية الحالية كانت حاضرة العلا وكان يحيطها سور ذو أربع عشرة بوابة, وفرت الحماية لأكثر من 800 عائلة سكنت الديرة حتى سبعينيات القرن الماضي, ومن ثم هجرتها لأحياء العلا الحديثة.
ومرت القرية التراثية بعدة مراحل من التأهيل والترميم الجاد جعلت منها أحد أفضل القرى التراثية تميزا بالمملكة وأعادت لها سحرها الكامن في جدرانها الطينية وطرقاتها الحجرية ونوافذها الخشبية وفوانيس الإضاءة التي تنير أزقتها الضيقة الملأى بشواهد التاريخ, فيما تستند القرية المعروفة في المجتمع المحلي بـالديرة في محافظة العلا، إلى جذور تاريخية تمتد إلى القرن السابع الهجري، كما تذكر كتب الرحالة العرب، التي تصفها بأنها إحدى أهم وأكبر المدن في الحجاز قديما بعد مكة المكرمة.
وكانت "الديرة" محطة رئيسة يتوقف بها الحجاج القادمون من الشام للتزود بالطعام والماء، ويصف علماء الآثار القرية التراثية في العلا، التي تم تأهيلها من قبل الهيئة العامة للسياحة والآثار، بأنها إحدى ثلاث مدن إسلامية باقية من القرن السابع الهجري تمثل المدينة الإسلامية بمساجدها ومنازلها وأسواقها.
وباشرت الهيئة العامة للسياحة والآثار البدء بتأهيلها ضمن برنامج القرى التراثية الذي أطلقته كخطة تشمل تنمية 64 قرية تراثية يعمل على تأهيلها في مختلف أنحاء المملكة، إذ دشن المرحلة الأولى من مشروع تأهيل القرية التراثية بالعلا صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار, وتتميز بخصوصية كونها قريبة من مراكز تجمع السياح الذين يزورون مدائن صالح.
كما يقع في طرف القرية التراثية من جهة الجنوب الشرقي للبلدة مسجد أثري قديم أسسه الرسول صلى الله عليه وسلم في طريق غزوته لتبوك وخط مكانه وعلمه بالعظام، لذلك سمي بمسجد العظام، أو مسجد الصخرة، كما تمتد أسواق القرية في الجهة الغربية على امتداد القرية، حيث تقع جميع الدكاكين والقهوة وبئر الماء، التي تم إنشاؤها في وقت متأخر.
وتطل من أعلى الجبل الملاصق للقرية قلعة إسلامية تسمى قلعة أم ناصر، وهي قلعة يروى أنه دفن إلى جوارها القائد المسلم موسى بن نصير ويستطيع الزائر من أعلاها مشاهدة جميع أرجاء القرية, كما تحيط بالقرية من الشرق والجنوب والشمال حقول ومزارع النخيل والحمضيات والفواكه، حيث كانت الغالبية العظمى من سكان القرية تزاول أعمال الزراعة نظرا لما تتمتع به أرض العلا من وفرة كبيرة في العيون الجوفية العذبة، حيث ترويها نحو 35 عينا جارية أسهمت في اتساع رقعة المزارع القديمة ومضاعفة مساحة القرية التي تتألف من منطقتين، الحلف والشقيق.
وتعد سوق الدور, الواقعة في غرب القرية المركز التجاري للبلدة، معرضا لمعظم السلع والمواشي, وكان سكان البادية يجلبون ما لديهم من منتجات ويبيعونها في تلك السوق حسب أعراف وتقاليد وشروط متفق عليها بين أبناء القرية وأبناء القبائل الأخرى.
وشمل مشروع التأهيل الذي تم تنفيذ المرحلة الأولى منه، إعادة تأهيل قلعة موسى بن نصير وبعض الممرات، ويتكون هذا الجزء من المباني المطلة على الشارع الرئيس وقلعة موسى بن نصير الواقعة أعلى جبل القلعة, إضافة إلى بعض المباني الواقعة على الممرات المستهدفة التي تؤدي إلى الجزء الغربي من القرية.