الإدارة بالتكليف .. عندما تفوق الطموحات الإمكانات
ما أسهل الإدارة بالتكليف، لو لم تكن "الطموحات" أكبر بكثير من "الإمكانات" المتاحة. أتساءل دوما، هل يمكن للمدير المكلف أن يحقق إنجازات ملموسة، وهو "محدود الصلاحيات"؟ إن كان البعض يعتقد أن الإجابة "نعم"، فدعوني أكمل تساؤلاتي.
ترى، ما سبب ظهور عديد من التحديات أمام "المدير المكلف"، التي لم يسبق للمدير الرسمي أن واجهها أثناء ممارسة مهام عمله؟ وما سبب تدني إنتاجية الموظفين الذين يعملون تحت إدارته؟ وما السر وراء مقاومة البعض له، وظهور الشللية والانقسامات الشخصية، وممارسة السلوكيات غير المنضبطة داخل محيط العمل؟
قد تكون الإجابات على بعض تلك الأسئلة بديهية ولا تحتاج إلى أي تعليق، فالمدير المكلف في أجهزتنا الحكومية غير قادر على اتخاذ قرارات حازمة ومحورية! لأنه مسؤول "مع وقف التنفيذ"، مكبل بقيود وأغلال ثقيلة تحول بينه وبين تطلعاته في تحقيق إنجازات تذكر. كيف لا؟ وهو–تماما- كمن رمي في ساحة المعركة دون "سلاح"!
لذا فإن نهاية "المدير المكلف" تكون غير بهيجة في كثير من الأحوال، ليس من خلال ما يقوله بعض المتشائمين، بل من خلال أرقام وإحصاءات عالمية، توضح بجلاء أن ما بين 5 و15 في المائة من الأجهزة الحكومية في العالم، تعلن سنويا تدني معدلات الأداء فيها بسبب غياب المديرين الرسميين! كما تؤكد عديد من الأبحاث العالمية، تأثر مناخ العمل وإنتاجية الموظف في عمله، عندما يعمل تحت إدارة مدير غير ثابت "أو غير رسمي" لفترة طويلة.
وعودا على بدء، فالنوايا الحسنة وصدق المشاعر ومجرد الرغبة في الإنجاز دون سلطة ليست كافية، ولا تسمن ولا تغني من جوع، لذا، فإن الإدارة بالتكليف تعد في الواقع التطبيقي من كبرى المعوقات الإدارية التي تواجه الأجهزة الحكومية، خاصة إذا طالت الفترة الزمنية لغياب المدير الرسمي لأي سبب كان. فأي إبداع يمكن للمدير المكلف تحقيقه وتلك المتاريس الموضوعة أمامه كفيلة بتحطيم مواهبه وطاقاته الكامنة، وحرمان المنظمة من الاستفادة منها، وفقدانه لأي معنى للوظيفة.
وإذا احتكمنا إلى علم الإدارة العامة، وبالتحديد إلى النظرية الشهيرة لـ "كريس أرجريس"، التي دعا فيها إلى التعامل مع المديرين على أنهم ناضجون، وعدم فرض الوصاية عليهم، فسنجد أن من الصعب تحقيق ذلك إلا من خلال توسيع نطاق صلاحياتهم، ومنحهم الفرصة لتحمل المسؤولية الكاملة في العمل، وتحريرهم من القيود المفروضة عليهم، وتحفيزهم على الإبداع والتميز والمبادرة. كما يعد مفهوم "المنظمة المتعلمة" من المفاهيم المعاصرة التي تعزز الفلسفة القائمة على منح مزيد من المسؤوليات والسلطة للمديرين، من خلال التدريب وغرس الثقة والدعم المعنوي، حتى يستطيعوا اتخاذ القرارات المناسبة لتحقيق النجاح، وبما يساعد على التطوير المستمر للأجهزة الحكومية.
ولكن ما سبق، ينبغي ألا يجعلنا نغفل الوجه الآخر لهذه المسألة. فهذا التوجه له جانب مضيء وإيجابي، متى ما تم تطبيقه على النحو الملائم، فقد ينتج عنه تحقيق عديد من الفوائد مثل: تمكين الموظفين، وإكسابهم المهارات القيادية، وبناء صف ثان من قيادات المستقبل التي يمكن أن يعول عليها. علاوة على الرسالة الإيجابية بإشعار المدير المكلف بالثقة والتقدير للإسهامات التي قدمها في الإدارة.
كلمة أخيرة للمسؤولين والمسؤولات في الأجهزة الحكومية: افتحوا الباب أمام المديرين، وسيذهلكم ما ترونه من منجزاتهم، شريطة أن توفروا لهم أسباب النجاح حتى لا يتهاوى سقف الطموحات أمام واقع الإمكانات.