فاصلة في التاريخ
التاريخ له مفاصل تتغير فيها الأحوال، وتنهض أمم تحسبها ذهبت في غياهب التاريخ، وتبدأ حقب كأنها محسوبة في الزمان تتغير فيها الأحداث، والتوجهات، ويذهل الناس ما يحدث، فانقلاب الزمان مثل انقلاب سطح المحيط، ما رآه الناس عاليا غار، وما حسبه الناس عميقا طفا على السطح، واليوم تتغير القوى والهيمنة.
هي الآن حقبة العرب، فقد توحدوا بعد أكثر من عشرة قرون من الفرقة والتناحر ليواجهوا الخطر الفارسي، وكل عدو متربص. توحد العرب خلف «عاصفة الحزم» لتكون «ذي قار» جديدة يجمعها سلمان ويندحر الفرس، بهذا التكتل العربي الذي يحمل صوارمه؛ ليقول كما قال قبل ألفي عام لا تفكروا بأرض العرب أيها الفارسي الجبان.
ما قبل «عاصفة الحزم» ليس هو ما بعدها، لقد قلبت «عاصفة الحزم» الموازين بحزم وعزم وجزم لوقف العبث الإيراني المزمن الذي اختبر صبر العرب فحسبهم لن ينهضوا أبدا فتمادى في غيه، وعندما تنادى العرب للاصطفاف في وجه العبث الإيراني، أسقط في يد إيران، واتضح أنها لم تحسب حساب «ذي قار» ثانية؛ وكان دليل انهيار إيران الأول أنها سارعت بتوقيع اتفاق نووي لم يكن ليوقعه الفرس لولا الصدمة التي أصابتهم من تحرك العرب حتى أن روسيا حليفتهم وشريكتهم في محور الشر أسقط في يدها من تحرك العرب صفا واحدا، وإيران تعلم أنها لا محالة تفقد مساحات احتلوها زمن الغفلة، وها هي الغضبة العربية تجعل معنوياتهم ومعنويات من معهم في العراق ولبنان يفقدون صوابهم ويخرجون عن طورهم. لقد ظنوا لزمن طويل أن العرب لن يتحالفوا ليقفوا لهم، وقريبا سيحرر هذا «التحالف» كل شبر احتلوه ويطردهم إلى عمق بلادهم ليواجهوا تفكك الأحواز والبلوش وبقية القوميات، فالثورة الإيرانية بعد أكثر من 30 سنة فقدت تماسكها لأنها جنحت للتوسع في وقت ليس لدى إيران أي عمق استراتيجي يدعم توسعها ومدها لأذرعها خارج أرضها، حيث أنهكت بدفع ثروات إيران لميليشيات ومرتزقة وإرهاب ولم تجن شيئا من توسعها.
منذ البدء كانت إيران تجنح للتوسع وخاضت حرب السنوات العشر مع العراق، وتصالحت دون مكاسب، ثم عادت إيران مع الاحتلال الأمريكي للعراق، وكانت تمد أذرعا في سورية ولبنان معتمدة مرتزقة لا يملكون لها ولاء بقدر ما يريدون بعض المال وهو ما حدث في اليمن.
اليوم ترى إيران انحسارها الذي ربما يقضي على ثورة إيران برمتها إنها «عاصفة الحزم».