خطيب الحرم: «عاصفة الحزم» نزال واجب يمليه الضمير الحي وهبة فرسان يحمون الحرمين
أوضح الشيخ الدكتور سعود الشريم إمام وخطيب المسجد الحرام أن "عاصفة الحزم" نزال واجب يمليه الضمير الحي وهبة فرسان يحمون الحرمين الشريفين يدركون مكانة أرض اليمن أرض الإيمان والحكمة وما حل بأهلها من بغي وخروج بطائفية مقيتة تأكل الأخضر واليابس فلا حرم الله أهل اليمن الأمن والأمان ورفع عنهم ما حل بهم وبدارهم من قوارع تدمي القلوب وتبكي العيون، فكانت "عاصفة الحزم" لجاما للمتهورين المغرورين وحماية للحرمين الشريفين أن تطالهما أيدي الطامعين العابثين ونصرة للمظلومين المستضعفين في بلد الحكمة والإيمان.
وأكد الشيخ الشريم أن بلاد الحرمين حرسها الله، حينما تقدم على "عاصفة الحزم"، فإنما هي غضبة حليم لم يبق له سفه السافهين حلما وحكمة صبور لم يدع له تهديد الحاقدين في قوسه منزعا.
وقال الشريم في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس: "إن المجتمع الجاد هو ذلكم المجتمع الذي يسعى بكل ما يملك من دعائم دينية وثقافية وفكرية وسياسية واقتصادية من أجل الحفاظ على أس من أسس استقراره وتوازنه ووحدته دون تفريط أو تهميش أو تسويف والمتمثل كله في أمنه الداخلي والخارجي وإنه ما لم يكن هذا الأمر من أولوياته ومسلماته التي لا تقبل المساومة ولا المماراة، وإلا فإنها الفوضى ما منها بد والإهمال الذي لا اهتمام بعده والغفلة التي لا وعي لأثرها حتى يكون طعما لعدو متربص به الدوائر من خارجه أو لذوي نفاق من داخله ينتمون إليه جسدا لا روحا ينخرون في كيانه من الداخل ويقتاتون من الأزمات فهم كدود العلق يعشق امتصاص الدماء".
وأضاف: "إن المجتمع الواعي هو الذي لا يفرق بين عدو الداخل وعدو الخارج فحماية نفسه من إخلال أي العدوين به يعد من أوجب الواجبات عليه قيادة وشعبا، لأن الحفاظ على الأمن ضرورة لا ينازعها إلا حاسد أو كاره وأن سلامة أي مجتمع من الحروب لهي نعمة ينبغي شكر الله عليها، لأنها منة الرءوف الرحيم لأجل ذلك كان من اعتقاد أهل السنة والجماعة تنصيب الإمام الذي يرعى حقوقهم ويحمي دينهم ويصد عنهم عدوهم وأن الله- جل وعلا- قد أنعم على أمة الإسلام بهذا البيت العتيق، الذي تهوي إليه أفئدة الناس رجالا وركبانا من كل فج عميق وهو شامخ الأركان ثابت البنيان يطاول المكان والزمان غير أنه لم يسلم عبر التاريخ من أطماع الطامعين وحسد الحاسدين إذ تمتد إليه أيادي العبث والتخريب بين الحين والآخر إلى أن من الله على الأمة برعاية بلاد الحرمين الشريفين له ولمسجد رسوله- صلى الله عليه وسلم- وحمايتهما بكل أصناف الحماية".
وأردف أن هناك قلوبا تفيض بالحقد والغل على قبلة المسلمين ومسرى رسولهم- صلوات الله وسلامه عليه- ويريدون بهذا الغل والتهديد أن يستبيحوا بيت الله الحرام، كما استباحه المفسدون من قبل في الشهر الحرام إبان القرن الرابع الهجري فاستحلوا دماء الحجيج، وقتلوا منهم نحو 30 ألفا بعضهم بين الصفا والمروة، فخلعوا باب الكعبة وسلبوا كسوتها واقتلعوا الحجر الأسود من مكانه فغيبوه قرابة 22 عاما حتى كان فقهاء ذلكم الزمن إذا ألفوا في المناسك يقولون ويستحب أن يشير الحاج إلى الحجر الأسود إن وجد حتى أعاده الله بفضله وكرمه إلى مكانه كل ذلكم كان من منطلقات طائفية ليست من الإسلام في ورد ولا صدر.
وبين أن بلاد الحرمين حرسها الله ليست بلادا طائفية بل هي جزء من أمة مترامية الأطراف بين المشرق والمغرب ثم إنها حرسها الله بقيادتها تدرك ما حملها الله من واجب في حماية قبلة المسلمين ومهاجر النبي- صلى الله عليه وسلم- وتدرك قوله- صلى الله عليه وسلم: "لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا"، وهي تدرك أيضا أن ثمة متربصين يرغون عليها ويزبدون ويشوشون تجاهها ويهوشون ويمكرون بأمنها مكرا كبيرا يتولى كبرهم فيها مد طائفي ويعينه عليه قوم آخرون قد أوهموا أنفسهم أن بلاد الحرمين ليست للدفاع عن نفسها أهلا ولا للشدائد فصلا حتى خوفوا الناس من دهياء مظلمة يستهدفون من خلالها عقيدتها وثوابتها ومقدساتها فانطلقت بتوفيق الله على أثر ذلكم "عاصفة الحزم" لتظهر غضبة الحليم وصبر الحكيم.
ورأى أن للحروب لصوصا، كما أن للأموال لصوصا فهم يسرقون الأمن والوحدة والانتصار ولا يرجون للأمة خيرا يتصدر فيهم المرجف والمخذل لافتا إلى أن ثمة من لا يريد لـ"عاصفة الحزم" أن تؤتي ثمارها وأن تضع أوزارها إما حسدا بما حباه الله ذويها من توفيق وانتصار أو أحقادا دفينة تتسلل من صدور ذوي النفاق في الداخل والخارج ذلكم بأن بلاد الحرمين- حرسها الله- مستهدفة في عقيدتها وأمنها ومقدساتها وإن كانت الحروب شرا لا بد منه كما قيل، فإنها لحماية الحرمين الشريفين خير لا بد منه.
وأكد أن بلاد الحرمين ستظل- بإذن الله- حصنا منيعا أمام مطارق الحاسدين والمتربصين وصخرا صلدا يوهن قرون ذوي الأطماع والمآرب الدنيئة، ما يؤكد استحضار شكر الله على فضله وتوفيقه واجتماع الكلمة ونبذ الفرقة.
وفي المدينة المنورة تحدث الشيخ عبدالباري بن عواض الثبيتي إمام وخطيب المسجد النبوي في خطبة الجمعة أمس، عما تمر به الأمة من فتن جسام ومواقف فاصلة وأحداث تتطلب نصرة الحق والمظلوم.
وأوضح أن القوة في نظر الشرع أداة في خدمة الحق لا غاية تنشد بذاتها فإذا انفصلت عن الحق أصبحت خطرا وتدميرا مستدلا بقول الحق- تبارك وتعالى" (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)، مبينا أن القوة تثبت دعائم السلام وتحمي الإسلام وتصون ديار المسلمين من أن تمتد إليها يد الغاصبين والمعتدين والباغين.
وبين فضيلته أن العالم لا يحترم إلا الأقوياء وأن القوة الحقيقية هي المستمدة من الله، حيث كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يلقى الأعداء وهو يستمد من الله العزم والجهد والتوفيق، يقول (اللهم بك أحول وبك أصول وبك أقاتل)، كما كان يقول عليه السلام: (اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم).
وأبان الشيخ الثبيتي: إن من استمد القوة من الله لا يعرف للضعف معنى ولا يجد اليأس في نفسه مكانا والمؤمن في الشدائد تقوى صلته بربه ويتعلق قلبه بالله ويلوذ بحماه، مؤكدا أن الإسلام دين العزة والقوة كما قال تعالى: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين)، فالأمة قوية بدينها وعقيدتها ورجالها، موردا قول نبي هذه الأمة- صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف).
وأفاد الشيخ الثبيتي أن القوة تدحض الباطل وتزهقه، متطرقا إلى الباطل الذي يحاول أن يتمدد في جزيرة العرب من الفئة الباغية التي تمارس الخداع وتستخف بالعقول وترفع شعار الموت للكفر والموت للباطل وهي من جنده وتسير في ركابه وتنفذ مخططاته.
وتابع: أصبحت هذه الفرية اليوم مكشوفة مفضوحة ممجوجة وأن الأمة وعت مكرهم وأن هذه الشعارات مجرد غطاء ودغدغة لعواطف المسلمين ليسهل عليهم افتراس الفريسة بالقتل أو التهجير، مؤكدا أن القناع سقط وانكشف المستور وتجلت الحقائق وبأن زيف الفئة الباغية فهي سلبت حقا، واحتلت أرضا وهددت بإشعال المنطقة بأسرها تحقيقا لمطامع ومخططات تغذيها أحقاد دفينة وبدعم من جهات مشبوهة.
وقال إن منهج القوة يبدأ من التعليم والعدالة وأسلوب الحوار الذي يجنح إليه العقلاء وأصحاب النيات الحسنة حفاظا على المكتسبات وحقنا للدماء وسدا لمنافذ الفتنة، وأن الحكماء في اليمن سلكوا منهج الحوار مع الفئة الباغية، ولكنها صمت آذانها عن صوت الحق والعدل وتمادت في غيها ورفعت السلاح وبطشت بالعباد وتشبثت بطائفيتها وعنصريتها ونهجت مسالك عدوانية تروم تمزيق اليمن وتفتيته.
وأوضح أن القوة الحازمة بفضل الله تعيد الأمور إلى نصابها وتتصدى لكل من يروم إثارة الفتنة وزعزعة الأمن وإشاعة الفوضى والشقاق وتحقق لليمن استقراره وللشعب اليمني سعادته ورخاءه وتحفظ عليه عقيدته وإيمانه ليبني حضارته ومستقبل أبنائه وهو بذلك لا يسمح لأحد أن يشوه تأريخه الإسلامي ويطمس هويته العربية.
وقال الشيخ الثبيتي: إن "عاصفة الحزم" تعبر عن آمال اليمنيين واستجابة لاستغاثتهم وهي عاصفة قوية في موضوعها عميقة في مدلولها واضحة في أهدافها وحزم من قيادة حازمة فقد كشر العدو عن أنيابه وبان مكره وصرح بأطماعه حتى في مكة المكرمة والمدينة المنورة فقد باع عقله وفكره وأرضه للأعاجم.
وأضاف: إن الحزم سمة القادة الأفذاذ على مدار التاريخ خاصة مع من سمتهم الغدر والخيانة وقدوة القادة رسولنا الكريم- صلى الله عليه وسلم- الذي حزم أمره في هدم مسجد الضرار الذي كان وكرا للمؤامرات يقول جابر بن عبدالله- رضي الله عنهما: (رأيت الدخان من مسجد الضرار حين انهار) وقال تعالى: (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا) وحزم أبوبكر- رضي الله عنه- أمره في قتال المرتدين وقال: "أينقض الدين وأنا حي".