تفعيلة ضيدان
يُحكى أن الشاعر ضيدان بن قضعان سُئل مرةً عن رأيه في شعر التفاعيل المتعددة، وهو الذي لا يكتب إلا الأشكال التقليدية في الشعر، فأجاب: "إن كان مثل اللي قاله لي عبد الله عبيان، فهذا شعر"، وعلى بساطة الرأي، فعمق الفطرة الشعرية فيه تتضح جليا، فهو يرى أن "الكلام" الذي قاله بن عبيان ذو جرس موسيقي واضح ووزن ليس كوزن القصائد العمودية الواحد إلا أنه موزون، ويملك أكثر من قافية وفيه روح الشعر، إذاً هو شعر، لو لم يكن كالشعر الذي يكتبه ضيدان نفسه، وهو يعترف ضمنيا بذلك أن الشعر لا يُقيَد، رغم عدم اعترافه صراحة بذلك.
ضيدان بن قضعان شاعر لا يختلف عليه قارئان للشعر الجميل، واتفاق الأغلبية من "الذواقة" عليه دليل على ذلك، رغم نهجه التقليدي في طرح القصيدة المحكية، إلا أن ذلك لا يمنع المُنصف من المختلفين على نوعية الطرح أن يتفقوا على جمال روح هذا الشعر.
وعلى ضيدان نقيس الأمثلة الكثيرة التي تساند هذا التوجه، أن للشعر روحا لا تعتمد على قوالب، رغم اعتماد القيمة العظمى من الشعراء على القوالب لتمرير ما يريدون تمريره من صدى أرواحهم، وهو إن اعتبرناه من الذنب لا يُصب عليهم أغلبه، فتراكم الثقافة لم يكن متسلسلا بطريقة جيدة لدينا كما هو الحال عند غيرنا، والفجوة التي حصلت في الثقافة العربية شملت الكل وليس شعراء المحكي فقط، إذاً فالقضية معرفية أكثر منها اختلافا على صحة نهج من عدمه.
وعودا على ضيدان الذي أحب شعره كثيرا، مع التنبيه على أن نهجه في ما يقوله من شعر مغرق كثيرا في التقليدية، وذلك أدعى لأخذه كمثال على عدم الاختلاف بين النهجين التقليدي والحديث، فهو يقول في إحدى قصائده "والبدر قد قالها: محدٍ يحب اللي يبي"، أحد رموز التقليدية الشعرية يستشهد بقصيدة حديثة مغناة ذات تفاعيل متعددة للشاعر الذي أسس للتحديث في الشعر الخليجي الأمير بدر بن عبد المحسن.
وبمناسبة البدر فقد كنت أتعجب قبلا كيف كان يكتب النص التقليدي شكلا بروح ومفردات وسلاسة حديثة، وهو القادر على كتابة النص الحديث بشكل مجدد ومُدهش لأنه فعلها كثيرا وأقنعهم بسحر ما يكتب، على خلاف الكثير من المجددين - في أي من شؤون الحياة- الذين كانوا دائما يعانون من رفض التقليديين لهم بجلافة!