"بحبك ما بعرف".. قد تصلح لتثقيف البعض بـ "المحكي"!
بحبك ما بعرف!
هن قالوا لي
من يومها صار القمر أكبر
ع تلالنا
وصارت الزغلولي
تاكل ع أيدي اللوز والسكر
بحبك ما بعرف حب
لا تشدني بأيدي
ع نهر بي دنية هناء جديدي وإنغل
لا دخلك هيأتني رح طير
مرجحتني بألبك ..
تركني بعد بكير .. بكير
تركني حبك يا حلو بحبك
سعيد عقل
يظهر الشاعر الكبير سعيد عقل في مسيرة السيدة العظيمة فيروز كثيراً بكيفه قليلاً بكمّه، إلا أنه في أغنية "بحبك ما بعرف" كان شاعراً وكاتب قصة قصيرة وروائيا وراهبا بوذيا ومخرجا سينمائيا، باختصار كان أكثر بكثير من مجرد شاعر، في هذا النص ترك القارئ يشاركه في كتابة النص بطريقةٍ لا تخلو من الإعجاز، فحين يقول : " بحبك ما بعرف! هن قالوا لي " يترك للقارئ حرية اختيار "هن" وتحديد عددهن وأعمارهن تبعاً لما يجري من حدث وإلى أي الأعمار ينتمي، ثم يعود لفتاة النص ويصور دهشتها بالحب حين يقول " من يومها صار القمر أكبر ع تلالنا " وهكذا يتضح أنها لم تبلغ الحب الأول من عمرها بعد، فتغيّر الأشياء من حولها وتبدلها عن ذي قبل دليل عن أنها لم تر الدنيا بعين المحب من قبل، ويكمل بعدها تصوير دهشة الطفلة بنفسها وهنا يصل بعظمة النص إلى أعلى سموات الإبداع حين يقول " وصارت الزغلولي تاكل ع أيدي اللوز والسكر" فهو لم يقل لماذا "صارت" صغار الطيور تأكل من يدها اللوز والسكر ولم "تكن" من قبل وهي ابنة التلال والقرى التي لا تفارقها العصافير ولا يخذلها اللوز، ذلك أنه يعلم أن القارئ الذي سيبدأ معه رحلة النص منذ الحرف الأول سيكتشف أن السبب الذي جعل القمر يبدو أكبر، هو ذاته الذي جعل من هذه الفتاة كائنا ارّق من الزغاليل بحيث تطمئن صغار الطيور لها وتأكل من يديها اللوز والسكر بلا خوف، بعدها ذهب سعيد عقل لكتابة الحب المعتاد والحبيبات المعتادات ولكن بروحه هو وباختلافه هو حتى وصل بالنص إلى " لا دخلك هيأتني رح طير مرجحتني بألبك ..تركني بعد بكير .. بكير" ليؤكد لنا كم أن هذه الفتاة تشبه فيروز في طفولتها التي لم تنته ولن تنتهي، إحساس كبير لدى كل من سمع هذه الأغنية بصوت السيدة فيروز أن هذه الطفلة ليست إلاّ فيروز في كل مراحل عمرها الممتد بين بيادر القمح وحقول الذرة وأشجار اللوز والعصافير والصباحات التي لا تسخن شمسها فوق أغنيات فيروز.