مجموعة محمود صبح .. سجل لتطور أنماط الشعر العربي

مجموعة محمود صبح .. سجل لتطور أنماط الشعر العربي

في مجموعة الشاعر الفلسطيني المقيم في إسبانيا محمود صبح (ديوان قبل.. أثناء.. وبعد) قد لا يكتفي القارئ بالانتباه إلى القيمة الفنية للقصائد مهما كان مستواها بل يجد نفسه أمام أمر آخر يشكل قيمة تأريخية فنية وهو اعتبار المجموعة سجلا يعكس التطورات التي مر بها الشعر العربي في هذا العصر من حيث تعدد أنماطه التعبيرية.
ففي المجموعة قصائد تنتهج نمط القصيدة العمودية التقليدية ومع مرور الوقت نعود فنقرأ قصائد انتقل الشاعر فيها إلى النمط المسمى قصيدة التفعيلة أو تعدد الأوزان والقوافي في القصيدة الواحدة.
ولأن المجموعة تبدو سجلا لتطور أنماط القصيدة العربية في العصر الحاضر نجد أن الشاعر في بعض نتاجه انتقل إلى ما يسمى الآن قصيدة النثر الحديثة.
محمود صبح ولد في صفد في فلسطين سنة 1936 وعاش مدة ودرس في سوريا وعمل بالتدريس هناك وفي الجزائر. وقد فاز بعدة جوائز على قصائد معينة.
انتقل إلى إسبانيا، حيث درس بمنحة، وبعد أن حصل على درجة الدكتوراه عين أستاذا بقسم اللغة العربية في جامعة مدريد ثم رئيسا لقسم اللغة العربية والأدب والفنون الجميلة في المعهد العربي الإسباني للثقافة.
الدفة الأخيرة للكتاب تعطي فكرة عن مفهوم الدكتور صبح للشعر والفن. قال إن مضمون "المذهب الحيوي في الشعر يقتضي أن يتمثل الشاعر التيارات الإيجابية البناءة في مسيرة الزمان في المكان وأن يدفع هذه الحركة في الصيرورة ويرهص لما هو آت ويعبر عن طاقات الطبيعة والإنسانية المسيرة لها في تفاعل جدلي متواصل".
في البدايات اعتمد الشاعر في قصيدة (الدوامة) نظام الرباعيات والقصيدة التقليدية العربية فتتغير القافية كل أربعة أبيات ويبقى الوزن ثابتا. يقول "دوامة عربيدة هوجاء عاصفة بنفسي/ حتام أنت تظل تبحث في الدجى عن نور شمس/ وإلام أنت تظل تجتر الجراح قتيل يأس/ هيا أفق يا أيها الغافي على آلام أمس".
وفي الرباعية الثانية يقول بقدر بارز من الخطابية والتقريرية "هيا أفق ومر الخيال يسير في الليل الرهيب/ ليجوز آفاق السماء إلى ذرى الوطن الحبيب/ ويروح ينظر أرضه وقد ارتمت بيد الغريب/ ولهي تنادي أهلها والأهل في خبر الغيبوب.
"قد رحت بالشوق المجنح أجتلي أرضي البديعة/ فرأيتها شعثاء تندب في جلابيب وضيعة/ والليل يسكب في كؤوس الزهر من ألم دموعه".
في انتقال إلى قصيدة أخرى هي (نشيد العروبة) نقرأ شعرا عموديا تقليديا بوحدة وزن ووحدة قافية وبتقريرية أيضا. يقول "رتل نشيد عروبتي ترتيلا تسمع به القرآن والإنجيلا/ رتله تسمع نهر دجلة هادرا/ وخليجنا ومحيطنا والنيلا/ وتجبك أنغام من الأرز الذي/ وضع النجوم لرأسه إكليلا".
وفي قصيدة نظمها بعد تسع سنوات أي عام 1968 نلاحظ انتقالا إلى ما كان يمكن تسميته نمط العصر في تلك المرحلة فنجد الشاعر يهجر النمط العمودي إلى تعدد في الأوزان والقوافي.

الأكثر قراءة