إثيوبيا .. نمر إفريقي بـ 3 أرجل

إثيوبيا .. نمر إفريقي بـ 3 أرجل

في قلب الحي الإيطالي القديم في أديس أبابا يوجد مطعم مغطى بالخشب يشبه ناديا خاصا للأعضاء. في إحدى غرفه، أعطاني شريكي الإثيوبي في الطعام نظرة متبصرة، وإن كانت لاذعة، عن أبناء وطنه. على طبق من الخضراوات عليه توابل حريفة، ابتسم قائلا: "بإمكان الإثيوبي أن يبدو وكأنه يمدحك. لكن في الحقيقة هو يهينك".
تساعد تلك الملاحظة القاتمة على كشف السياسة المغلقة والمعقدة لهذا البلد الاستبدادي. بنموها التحولي، تعتبر إثيوبيا مطمحا للمانحين والمستثمرين الأجانب في آن معا. لكن الازدواجية تتأصل في روح هذا البلد. قال لي رفيقي: "20 في المائة من اللغة في هذه البلد تحكى بصورة مباشرة، و80 في المائة منها تكون مفهومة ضمنا". بالنسبة له، تعد اللغة الغامضة تذكرة عبوره إلى الحقيقة الأكبر: "هنالك الاحتكارات، والأسرار في كل مكان (...) هذا المكان ضيق".
ومع أن إثيوبيا تعرضت للخزي بسبب مجاعة كبيرة أصابت الملايين في عام 1984، إلا أنها تحقق اليوم تنمية ليست موجودة في أي بلد آخر في إفريقيا. ويتوقع البنك الدولي أنها ستكون أسرع البلدان نموا في العالم خلال السنوات الأربع التي تنتهي في 2017، بنسبة 9.6 في المائة سنويا. لقد شيدت 35 جامعة ليستفيد منها نصف مليون طالب. وسوف تمتلك أول مترو مناطق حضرية في جنوب الصحراء الإفريقية. وحتى أنها تعكف على بناء أكبر سد للطاقة الكهرومائية في العالم، بتكلفة تقدر بخمسة مليارات دولار، وهو مشروع ترفض أديس أبابا الاقتناع بأنه يفوق قدراتها المالية. وكونها دولة فقيرة وغير ساحلية، تريد دولة مزارعي البن الوصول إلى مصاف الدول متوسطة الدخل بحلول عام 2025.
في الوقت نفسه، تفرض إثيوبيا قيودا على الاستثمارات الأجنبية في القطاع المصرفي وقطاع الاتصالات، وتدير جهازا أمنيا واسعا، وتقيد حرية التعبير، رغم الادعاءات بخلاف ذلك. ويطلق المنتقدون على إثيوبيا لقب الدولة البوليسية. فالصحافيون يسجنون بانتظام، والنشطاء في مجال حقوق الإنسان ينددون بالتعذيب في السجون، والمعارضة - التي تتألف تقريبا من 78 حزبا بأشكال مختلفة - هي في معظمها من صنع الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي، التي تتولى الحكم. في انتخابات أيار (مايو) الماضي، فازت الجبهة وحلفاؤها بكل مقاعد البرلمان. قال لي المعارض الراسخ، بيين بيتروس، في مقر حزبه: "إنها حكومة من النوع الدكتاتوري. الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي، الحاكمة (...) هي أشبه بجماعات المافيا التي تفعل كل شيء للتأكد من إحراز نصر".
مع ذلك، يواصل المانحون في الغرب، بمن فيهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، منح مليارات الدولارات مساعدات. وعلى الرغم من وجود اقتصاد تديره الدولة، ويبدو أحيانا أنه يعاقب القطاع الخاص، يرغب المستثمرون الأجانب في الدخول. مثل الصين وسنغافورة من قبلها، تسعى إثيوبيا نحو نمو اقتصادي تقوده دولة ذات ذراع قوية. من خلال زيارات متعددة، كنت أجد أمامي مرة بعد مرة ما يصفه مسؤولو العالمين المتقدم والنامي بـ "هذه المفارقة": التقدم المدهش الذي حققه نظام تقييدي.

الرعب الأحمر

عدت كي أتعمق في تشريح بلد يقرن التطور بالتسلط في أرض تضم 90 مليون شخص لا يزالون يخرجون من حكم شيوعي غاشم.
في متحف "الرعب الأحمر" بجوار ميدان مسكل، يصف الأدلاء التعذيب في ظل حكم الديرج، وهي الدكتاتورية الشيوعية التي حكمت إثيوبيا لمدة 13 عاما بدأت عام 1974. في الجهود الرامية إلى تخليص إثيوبيا من عبودية الإقطاع، تأرجح البندول بشكل حاد. تولى السلطة الرقيب منجستو هايلي ماريام عقب انقلاب خلع الإمبراطور هايلي سيلاسي، ثم أخذ يصوب سهامه الدموية نحو المثقفين في البلاد.
كان نظاما وحشيا إلى درجة أنه فرض على أمهات التلاميذ الذين قتلهم رميا بالرصاص أن يدفعن ثمن الرصاصات. وتم تأميم الأراضي وتقريبا كل الأعمال التجارية. وغالبا ما أدرك الإثيوبيون بعد سنوات فقط مدى مراقبة شبكة الاستخبارات لحياتهم: مدرس في مدرسة الأحد هنا وابن عمه هناك. وحتى اليوم، يقارن المؤرخ الفرنسي، جيرار برونيه، النظام الحاكم للجبهة الديمقراطية الثورية بالبلاشفة في روسيا السوفياتية. ولا تزال سيارات لادا التي تعود إلى الحقبة السوفياتية تشكل أسطول سيارات الأجرة في المدينة. وأحد الشوارع يحمل اسم بطل شيوعي: شارع جوزيف تيتو. ويتحدث المطلعون عن مكتب سياسي حاكم يمكن أن يصيب نقده الذاتي الجماعي أي شخص ستاليني بالإعياء. يقول برونييه: "تعد إثيوبيا مجتمعا هرميا بقوة، ومدارا مركزيا بشكل تام".
كانت الجبهة الديمقراطية الثورية التي هدمت حكم الديرج، تحت سيطرة مقاتلين من منطقة تيجراي الشمالية الجبلية، نشأوا في الإطار الماركسي اللينيني المفتون بثورة الفلاحين. كانوا يعقدون حلقات دراسية للسياسة الاقتصادية في الكهوف كثوار متمردين، وكانوا يرتدون ملابس بسيطة عند الانتصار. كانوا يعتمدون على السرية والتحكم. يقول أحد المحللين: "في الغابة، كانت الشعبوية والليبرالية دلالات سيئة (...) لا يمكن تحملهما بأي شكل من الأشكال".
كثير من ثوار حرب العصابات السابقين هم الآن وزراء يشكلون مستقبل إثيوبيا، ولا يزالون مبجلين. يحتفظ واحد من موظفي الحكومة في الثلاثينات من عمره بصورتين معلقتين على جدار مكتبه: واحدة لبوتين ذي الصدر العاري والأخرى لمقاتلي إثيوبيا وهم جاثمون، بمن فيهم ميليس زيناوي، رئيس الوزراء المفكر والمتمرد الراحل الذي شكل الدولة لمدة 21 عاما قبل وفاته في عام 2012.
في أكثر المقابلات صراحة مع ثلاثة مقاتلين سابقين تحولوا إلى وزراء، أخبرني نائب رئيس الوزراء، ديبريتسيون جيبريميكل، عن القمع العاطفي الذي حدث من أجل القضية. قال هذا الشخص البالغ من العمر 54 عاما في إحدى الليالي في مكتبه المتقشف: "نحن كنا مستعدين للتضحية بأنفسنا. لقد كنت أعتبر نفسي ميتا بالفعل (عندما انضممت)، لم تكن حياتي ملكي أبدا". غادر الجامعة في سن 18 عاما للمشاركة في النضال الذي استمر لمدة 17 عاما.

الشمع والذهب

تمويه المشاعر يضرب بجذور عميقة. هنا تجد حتى أنموذجا وطنيا من الشعر، سيمنا ويرك (الشمع والذهب)، المكرس للغة المزدوجة. الفكرة هي أن الأناقة الأكبر تتمثل في ضغط المعنى ليصبح في أقل كلمات ممكنة، ضمن طبقات من الرسائل الخفية. باعتبارها أرضا احتضنت الذهب والجواهر لآلاف السنين - البيت الأسطوري لمناجم الملك سليمان - لا تزال صورة قوالب الشمع التي تذوب في النار تترد في الأنحاء.
في الشعر، الشمع هو الغطاء - المعنى المهذب السطحي الذي يذوب ليكشف المعنى القيم الحقيقي. أما "الذهب" المخفي في المقاطع فإنه يقدم بانتظام شتائم مقنعة - سواء لوجبة رديئة من أحد المضيفين، أو وجهة القيادة السياسية. اعتمدت الشخصيات المعارضة على تقليد بألا يتم اكتشافها من قبل الرقباء، لكن هذا ينسجم بعمق مع الثقافة أيضا: الشمع والذهب يصدران عن المنابر، وتتم مناقشتهما في استوديوهات الفنانين، ويظهران أيضا في مناهج المدارس. كان ميليس من بين سادتها. يقول محمد جيرما في كتاب أصدره في عام 2012 حول هذا الموضوع: "إن الأمر أكثر من مجرد نظام أدبي، إنه تعبير عن طريقة تفكير معينة".
طريقة التفكير تلك يتم تغليفها في ما يسميه المعلقون "الحالة الاستثنائية الإثيوبية". عندما قاتل 100 ألف إثيوبي 15 ألف إيطالي في طرق جبلية ضيقة عام 1896، أصبحت إثيوبيا الدولة الإفريقية الوحيدة التي تنتصر على مستعمرين أوروبيين. ولدى إثيوبيا أطباق طعام فريدة من نوعها، وكذلك اللغة والرقص. ومع وجود سلالة من الأباطرة يعود تاريخها إلى القرن التاسع، وبعض البقايا الأقدم لأسلاف الإنسان وأكبر شعب مسيحي أرثوذكسي في العالم، تعتبر نفسها الجواب على تجربتها الخاصة. وفي القرن السابع عشر، قامت حتى بمنع الأجانب.
ويرى كثير من الإثيوبيين بلادهم على أنها بلد مميز ومختار. ويفخر قادة الدولة أيضا بأنفسهم، بالحصول على استثناءات في قضايا تتعلق بالدولة والأمن والاقتصاد. يقول آركيبي أكيوباي مبتسما، وهو مقاتل سابق، ووزير ومهندس السياسة الصناعية في الدولة، إن الإثيوبيين طلبة سيئون لمعتقدات صندوق النقد الدولي.
ويقول آركيبي، الذي يقدر تجربة التطور في كوريا الجنوبية، من بين تجارب أخرى: "ما نحن مهتمون به هو دولة تكون ملتزمة برؤية واسعة لتجعل البلاد تلحق بالركب". حتى مع ذلك، يخشى المسؤولون أنهم قد يتبعون أي نظام قواعد غير النظام الخاص بهم: "ليس لدينا أي أنموذج. إننا نفعل ذلك بطريقتنا الخاصة"، بحسب ما أخبرني برهان جيبري - كريستوس، وزير الدولة الذي حارب إلى جانب ميليس.
يحذر صندوق النقد الدولي إثيوبيا مرارا وتكرارا ويطالبها بالتراجع عن الإنفاق الهائل على مشاريع البنية التحتية الفخمة التي تمتص ما نسبته 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة، وإفساح المزيد من المجال للقطاع الخاص. لكن حتى المؤسسات سديدة الرأي والأكثر تحررا لا يمكنها إنكار النتائج. يقول جوانج زي تشين، مدير البنك الدولي في البلاد، المنتهية ولايته: "لأي شخص يراقب بموضوعية ما يحصل في إثيوبيا على مدى العقد الماضي، على المرء أن يوافق على أن هذا الأنموذج قد تطور وحقق نتائج جيدة لهم".

العامل الصيني

ديميس ديجيف خريج جامعي تحول ليصبح عاملا في مصنع. ولو حصلت الحكومة الإثيوبية على ما تريد، سوف يكون هناك قريبا الملايين من شاكلته. يقول هذا الشاب في الـ 24 من عمره، خلال نوبة عمل في هواجيان، أكبر شركة لصناعة الأحذية في العالم، في مدينة صناعية صينية خارج أديس: "في ذلك الوقت فكرت: أنا خريج جامعي، فلماذا أعمل في صناعة الأحذية؟ هذا العمل رهيب بالنسبة لي". عندما بدأ ديمس العمل، كان يحصل على 48 دولارا في الشهر. اليوم، هو مدير ذو مرتبة دنيا، يكسب عشرة أضعاف ذلك الراتب.
مثل إثيوبيا، يدين ديمس، وهو واحد من تسعة أشقاء، بفرصته الكبيرة للصين. وتعول إثيوبيا على ثورة صناعية محلية يتم تحفيزها من خلال رفع الأجور في الصين وإرغام المصانع على إعادة التموضع. وربما تلغي الصين 85 مليون فرصة عمل على مدى عقد من الزمن نتيجة لذلك. وإثيوبيا، حيث الأجور الأرخص عشر مرات، ترغب في بعض تلك الفرص. يقول آركيب، عن الخطط التي سوف تنشئ مليوني فرصة عمل خلال عشر سنوات، باستثمار قيمته عشرة مليارات دولار في مدن صناعية حكومية: "نحن نريد تطوير حقل الصناعة التحويلية بشكل واسع النطاق".
ويتم أيضا نقل المصانع من فيتنام وتركيا والهند. لكن كثيرا منها وجد أن القوى العاملة الجديدة أقل انتظاما مما يمكن أن ترجوه من دولة استبدادية. فعندما بدأت شركة هواجيان في عام 2012، كانت معدلات التغيب عن العمل مرتفعة. يقول هيلين هاي، وهو مدير سابق لهواجيان قاد دخولها إلى إثيوبيا: "كانت هناك فترة غياب كبيرة. لم يكن الناس أبدا يعملون من الصباح حتى المساء. إنهم غير معتادين على ذلك جسديا".
وبفضل خطط تدريب مكثفة، كما يقول هاي، حقق المصنع بعد عام واحد نسبة كفاءة بلغت 70 في المائة، مقارنة بالصين، ارتفعت إلى 80 في المائة بعد عامين. وتخطط هواجيان الآن لتحقيق نمو يصل إلى 40 ألف فرصة عمل من واقع أربعة آلاف فرصة موجودة الآن. حتى إنها أرسلت ديميس إلى الصين لتعلم لغة الماندرين والإدارة لمدة عام. وهو يقول: "الصينيون أشخاص منضبطون. ربما في إثيوبيا يستمر العمل في اليوم الواحد حتى ثماني ساعات، وفي الصين ربما يستمر 11 ساعة"، وهو يقف أمام لافتة كتب عليها باللغتين الإنجليزية والصينية "كافح من أجل الصناعة". على أرضية المصنع خلفنا، ينحني العمال في خطوط مستقيمة على آلات الخياطة، حيث ينتجون سبعة آلاف حذاء يوميا. وهناك المزيد من اللافتات الحمراء المعلقة عاليا: "الالتزام ودقة المواعيد هي السلامة"، "التركيز المطلق"، "الحضارة والكفاءة المرتفعة". في الخارج تسير مجموعات من الموظفين الجدد إلى المصنع على شكل جماعات مشعثة، لكنها متحمسة.
في قاعدة هواجيان في دونجوان، وهي مدينة صناعية في مقاطعة جواندونج الصينية، كل شيء يسير بدقة. لم يدرس ديميس فقط بطريقة منضبطة، بل إنه يمارس الرياضة بطريقة منضبطة مرتين يوميا. يقول: "نمارس السير، والركض، ورياضة الدفع، والتمارين الصينية، خاصة أنهم يعرفون كيفية أداء تمارين الكونغ فو".
ويدعي هاي أن مثل هذا الانضباط أمر أساسي ومهم. يقول هذا الرجل المليء بالنشاط البالغ من العمر 38 عاما: "إذا كان بإمكانك تأدية التمارين في مجموعة بطريقة منهجية، فعند ذهابك إلى مجال الإنتاج ستكون على الوتيرة نفسها. إذا لم يكن بإمكانك الأداء أثناء التمارين الرياضية، صدقني لن يكون بإمكانك الأداء وأنت على خط الإنتاج". ديميس ليس وحيدا. السفارة الصينية في أديس أبابا تقدر أن ألف إثيوبي يذهبون إلى الصين سنويا للتدريب، نحو 80 منهم حاصلون على منح دراسية من الدولة الصينية، أما البقية، مثل ديميس، فإنهم يخضعون لإشراف ورعاية القطاع الخاص.

أفق مشرق

الروابط مع الصين آخذة في النمو. وأديس أبابا هي موطن لمعهد كونفوشيوس جديد. والتجارة الثنائية ارتفعت بمعدل 13 مرة خلال عقد، لتصل إلى 3.4 مليار دولار في عام 2013. أما العمالة الصينية في إثيوبيا - التي تصل إلى 70 ألف عامل - فقد ساعدت في بناء طرق سريعة، ومترو أنفاق جديد، وأنظمة لشبكات الصرف الصحي، ومحطة لتوليد الكهرباء بطاقة الرياح، وأول سكة حديدية مكهربة. وتدعم أيضا شبكة الهواتف التابعة للدولة والجهود المبذولة لبناء أكبر سد في العالم.
يقول لا ييفان، سفير الصين لدى إثيوبيا: "قبل 30 عاما، كانت الصين نوعا ما مشابهة لإثيوبيا"، بانيا المقارنة على "الشعب الكادح الراغب والمستعد للعمل بجد حتى مقابل أجر ضئيل"، ما أدى، في حالة الصين، إلى انتشال 660 مليون شخص من الفقر. ويقول أيضا إن بإمكان إثيوبيا إحراز تقدم، بدءا من صناعة الأحذية والملابس إلى مجال الحواسيب و"تدريجيا صعود هذا السلم الصناعي".
ورغم وجود انشقاق، إلا أن إثيوبيا تواجه القليل من المخاطر التي يمكن أن تنتهي إلى تمزق عرقي وسياسي عنيف، في الوقت الحاضر على الأقل. يقول كارلوس لوبز، رئيس اللجنة الاقتصادية لإفريقيا التابعة للأمم المتحدة، عن التقدم الذي حققته بشكل لا يصدق: "ما يجعل كل تلك الأشياء تحدث، مثل التصنيع والاستثمار، هو القدرة على التنبؤ التي تمنحها أثيوبيا. هذه القدرة التنبؤية تأتي من الطريقة التي ينظمون بها نظامهم السياسي".
لكن تقليد القدرة التصنيعية للصين يعتبر أمرا بعيد المنال. فلا تزال الصناعة التحويلية في إثيوبيا تشكل جزءا صغيرا يبلغ 1.35 مليار دولار من الاقتصاد المعتمد على القهوة الذي يبلغ حجمه 50 مليار دولار. ويمثل قطاع التصنيع 0.4 في المائة فقط من النمو. يقول جوانج زي تشين، من البنك الدولي: "نجاح هواجيان، ما لم يكن لديك 100 مصنع مثله، لن يحدث فرقا في إثيوبيا. وحتى وجود 100 مصنع مثله هو فقط نحو 300 ألف فرصة عمل. ربما يكونون قد بالغوا في بعض من نجاحه".
ولا تزال الحماسة التي دفعت إثيوبيا إلى طليعة حركة عموم إفريقيا موجودة في هواء الليل في أديس أبابا. في فترة الستينيات ما بعد الاستعمار، حافظت على فوز علامتها التجارية الخاصة بموسيقى الشباب، إثيوجاز. وهذه الأيام لا تزال ترى الأضواء الساطعة والملابس الأنيقة وقصة الشعر الإفريقية الغريبة. والحانات تعترف بالأراضي الرأسمالية. واحدة من المزارات الشعبية هي "يا كندا"، وواحدة أخرى هي "ستوكهولم". بالنسبة لاختصاصي العلوم السياسية، أبيل أبيت، هذه الدوامة الاجتماعية المتركزة على الغرب هي جزء من جيل شباب بعيد جدا عن السياسة.
يقول أبيل، الذي يعمل في مركز أبحاث تموله الحكومة: "الهدف النهائي هو إنشاء مجتمع غير مسيس. لا نسمع الآن كثيرا من الناس ينخرطون فعلا في القضايا السياسية: من الأسلم كثيرا الانخراط في الأعمال".

عودة من المهجر

من بين الحشد اللطيف في ستوكهولم هناك توماس فيريدي، وهو مصرفي سابق في وول ستريت عاد، كغيره من آلاف المواطنين، إلى موطنه أخيرا. يقول: "الإثيوبيون أناس لطفاء جدا. تستطيع تلمس ذلك من خلال طريقة لباسهم. كل شخص يريد أن يكون أنيقا. هنالك دائما افتتاح لمكان راق. الحياة هنا رائعة".
كان الأمر مختلفا قبل ثلاثة عقود. تم الاستيلاء على مزرعة القهوة للعائلة من قبل الديرج، وغادر وعمره ثلاث سنوات. "أصبحت هذا الولد المتأمرك - خريج إحدى الجامعات الراقية، ثم وول ستريت". عندما عاد قبل أربع سنوات، كان السبب في ذلك هو أنه أراد أن يساعد في ضبط أعمال والده التجارية في مجال بيع ماكينات الكابتشينو.
تقريبا لم يكن هناك أي شيء منطقي بالنسبة لخريج جامعة هارفارد والحاصل على درجة الماجستير. في يوم ما، فرضت الحكومة ضوابط أسعار على 20 سلعة، قائلة إن القائمة قد تزداد لتصل إلى 600 سلعة. يقول فيريدي، الذي كان ينبغي له إعادة تعلم كل شيء: "لقد كنت فردا في القطاع الخاص: أبعد الحكومة عن الطريق، واسمح للقطاع الخاص بالاستثمار في البشر والأعمال التجارية، وللسوق بمعرفة ما هو الأفضل".
حافظ أصحاب المتاجر على الأصول في شكل أسهم وليس نقدا للحد من التضخم، والتجار يثقون بالقليل من الناس، بمن فيهم العائلة، ويتم بيع المنتجات المتماثلة بأسعار متعددة. يبني أغنياء المدينة مباني بدلا من إيداع أموالهم في المصارف للحفاظ على قيمتها.
نادرا ما كانت المصارف تقدم القروض، وضوابط التبادل الصارمة تعني أن الدولارات شحيحة بشكل كبير حيث إن القليل بإمكانه الاستيراد، تاركة أفق المدينة مليئا بآثار المشاريع غير المكتملة. لكن فيريدي، الرأسمالي المثالي، خضع لعملية تحول. إنه يؤمن الآن بـ "دولة قوية"، تدعم إنفاقا ضخما تقوده الدولة في البنية التحتية وحتى بعض الحمائية.
يقول: "أؤمن بالطريقة التي نسير بها أساسا. أؤمن بها من منظور النمو، وفرص العمل، والتأثير الذي يمكنني إيقاعه، حيث تشعر وكأنك جزء من هذه الحركة. أفضل اتباع أنموذج الصين مقابل أنموذج الهند. رغم أن الاقتصاد الذي تديره الدولة يمكن أن يكون فاسدا تماما، إلا أن بإمكان الاقتصاد الديمقراطي أن يكون أكثر فسادا".
بالنسبة للوقت الحاضر، تحقق إثيوبيا النتائج التي تثير بهجة حتى أكثر الاقتصاديين التقليديين، وتحافظ على الأمن في مناطق رزئت بالإرهاب، ولديها الآلاف من المهاجرين العارفين الذي يريدون العودة. لكن أعضاء الحزب الحاكم يعلمون أن هيمنتهم تحمل تاريخ انتهاء معها. سوف يعتمد مصير البلد على ما إذا كان الحزب يستطيع تحقيق تقدم كاف قبل أن تتعالى الصيحات المطالبة بالحرية.

الأكثر قراءة