أزمة سوق الأسهم وأزمة الأخلاق

أزمة سوق الأسهم وأزمة الأخلاق

[email protected]

ماذا دهانا؟ أزمة مساهمات بطاقات "سوا", أزمة مساهمات عقارية وهمية, مساهمات البيض, مساهمات التمور, أزمة شركات توظيف الأموال, أزمة سوق المال.
ظواهر اجتماعية دهمت وأصابت مجتمعنا, وهي نتيجة تراكمات سلوكية بدأت في التسعينيات الميلادية ووصلت ذروتها منذ عدة أعوام وظهرت تداعياتها اليوم.
الانتقال المفاجئ إلى الثراء, نصب, احتيال, شائعات, تزوير, تدليس, فساد إداري, وأزمات, خلقتها الغوغاء بكل سوء نية وتورط في رعايتها ودعمها والترويج لها بقصد أو غير قصد وجوه اجتماعية أو لحق ضررها فئات المجتمع كافة من العامة والخاصة, وذلك تحت علم وسمع وبصر الجميع, وهذا درس مهم يجب أن يحلل ويدرس ويستفاد منه تشريعياً وتنظيمياً وإجرائياً ومعرفة جذوره وأسبابه. سعي محموم وراء المال والثروة بغض النظر عن كيفية وأسلوب ومشروعية ذلك مع تغيب كامل للمنطق وبعيد عن أخلاقيات وآداب السعي إلى طلب الرزق في الإسلام.
لقد اختصر فضيلة خطيب الحرم المكي ذلك في قوله (إن ما حدث في سوق المال من ممارسات ليس إلا انعكاساً لأخلاقيات المجتمع), إن نشر الإشاعة الكاذبة أو الموجهة عبر مواقع الإنترنت حول اتجاهات سوق الأسهم ودفع المال للترويج لذلك يعدان أزمة عقيدة وأخلاق ووطنية. أكل مال الناس بالسحت والحرام والترويج الخادع لمساهمات عقارية رغم وجود مشكلات على الأراضي وقبل صدور الموافقات الرسمية والنظامية وخداع الناس بأسعار التطوير والبيع الصوري تعد أزمة عقيدة وأخلاق ووطنية, جمع مئات الملايين من آلاف المواطنين ووعدهم بأرباح خيالية وإتلافها في سوق الأسهم والمساهمات العقارية الفاشلة أو تهريبها للخارج في مشاريع أيضاً يكتنفها الغموض والنصب جريمة اقتصادية تمس المال العام والخاص أيضاً أزمة عقيدة وأخلاق وأزمة ووطنية.
الأموال التي سلبت وضاعت أو أخفيت أدت إلى أزمة مالية اقتصادية اجتماعية غير مسبوقة لآلاف الأسر السعودية, خلفت كل أنواع المشكلات الاجتماعية والأسرية التي تخطر أو لا تخطر على بال, ولكن البيوت أسرار.
المسؤول عن هذه الأزمات هو كل موظف في الدولة أو مواطن يعتقد أنه مهما سمع أو قرأ أو لاحظ بدايات هذه الأزمات ولم يتصرف بحس المسؤول أمام الله ثم الوطن بحاكمه ومحكومة, وكل مسؤول أو موظف في الدولة أسهم في دعم أو رعاية أو الصمت على أو الترويج لهذه الأمور يعد مسؤولا مسؤولية ترقى إلى المشاركة في هذا العمل أمام الله ثم الوطن.
قد يقول البعض إننا اقتصاد حر وليس من سياسة الدولة وضع الضوابط وتعطيل المصالح, وأجيب أن كل اقتصاد حر يتميز بأعلى درجات المراقبة والمراجعة والتدقيق بجميع مستوياته الحكومية والخاصة حفاظاً وحماية للحرية الاقتصادية من ضعاف النفوس والأخلاق والقيم الذين لا يتورعون عن خلق أزمات مالية واقتصادية واجتماعية لأمتهم.
ولكن لماذا انجرف ملايين المواطنين نحو الأزمة بأرجلهم على مختلف مستوياتهم؟ أعتقد, اجتهاداً, أن هناك عشرات الأسباب, ولكن من أهمها:
1- الحاجة الماسة إلى المال لمواجهة مصروفات الحياة وتكاليفها المتزايدة التي لم تتحسن بسبب العجز المتواصل سابقاً في ميزانية الدولة مع تزايد مصروفات الحياة ومتطلباتها.
2- الطمع والجشع كانا الدافع الأهم في هذه الممارسات.
3- التقليد الأعمى والتأثر بالغير على قاعدة "مع الخيل يا شقراء" والمتأصلة في كثير من الممارسات الاجتماعية, ومنها المالية.
4- ضخامة الحملات الإعلانية النفسية الموجهة للمواطن المغلوب على أمره تحت نظر الجهات المختصة.
5- عدم وجود نظام للمراجعة والإنذار المبكر في مثل هذه الممارسات لحداثة ذلك على المملكة وضعف عملية المساءلة والمراجعة الأولية.
6- ارتفاع المداخيل الفردية والتجارية منذ خمس سنوات خاصة الأعوام الثلاثة الأخيرة أدى إلى تراكم السيولة الباحثة عن استثمار.
7- انعدام فرص الاستثمار المقننة والمتعددة والمتخصصة وسيطرة البنوك على صناعة الاستثمار بآليات عقيمة واحتكارية ودون حماية وتنوير وتعليم وتثقيف للمواطن.
8- لعب المتعاقد غير السعودي في جميع هذه الممارسات دوراً مهما بحيث تم استغلال العديد من السعوديين وتضليلهم للقيام بهذه الأنشطة غير المشمولة في قائمة الاستثمار الأجنبي, وتمت ممارسة النصب والاحتيال بالكفالة والوكالة.
9- استخدام عامل المظهر الديني لأصحاب بعض هذه المشاريع في التأثير في المواطنين المتعاطفين مع كل ملتزم وصادق وجاد.
10- التأثر بالقنوات الفضائية المتخصصة وغير المتخصصة وأخلاقياتها وما تقدمه وتهيئه من إيحاء وغسل مخ للمواطن الباحث عن المال والعمل والوجاهة.
11- حداثة عهد المجتمع بهيئة سوق المال ووجود فراغ كبير سابقاً وعدم وجود ثقافة الاستثمار ومعرفة وصناعة الاقتصاد العائلي والفردي في المملكة, وذلك بشكل سافر في مجتمع يملك أهم رصيد مالي ونفطي في العالم, مع الترويج للنمط الاستهلاكي في الحياة دون منح المواطن الفرصة للبحث والمقارنة والتعلم.
12- عدم وجود هيئات حكومية أو خاصة لحماية وتوجيه وتنوير المستهلك بجميع المنتجات والخدمات بأنواعها وأشكالها ابتداء من خدمات الأطعمة والأغذية إلى الإسكان إلى الطب إلى النقل إلى الإلكترونيات أو الاتصالات إلى الخدمات المالية, والمواطن هو الطرف الأضعف أمام كل مقدم خدمة أو منتج.
13- تدني مستويات الدخل وزيادة الضغوط على الطبقة الاقتصادية الوسطى, وهي الأكثر تضرراً لبحثها عن مخرج لأزماتها المتفاقمة.
14- ضعف الوازع الديني والأخلاقي مع كثرة الضغوط الإعلامية, الموجهة والانفتاح الاجتماعي والتدفق البشري على المجتمع السعودي الذي خلط الحابل بالنابل, مع عدم اهتمام مؤسسات التربية والتعليم والدعوة والإرشاد بذلك في استراتيجياتها وخططها, وجعل المواطن يواجه ذلك بمفرده.
15- اندفاع بعض قادة الرأي من مسؤولين ورجال أعمال وفكر وأدب وراء هذه الأعمال جعل الملايين من المواطنين يندفعون خلفهم لاعتقادهم بسلامة التوجه, وهنا سؤال كبير.
16- بروز جيل اجتماعي من نتاج الطفرة الأولى يبحث عن الثراء السريع دون كد أو عناء أو مشقة مع وجود جو اجتماعي عام يعزز هذا الشعور.
17- إن حديث العامة عن الفساد رغم أنه مستتر أدى إلى إضعاف قيمة الإنجازات الكبرى للدولة حتى استمرأ العامة الحديث عن ذلك وامتهان أخلاقيات عمل فاسدة.
18- تأثر من قام بهذه الأعمال وساعد عليها أو انخرط فيها بمن يراهم من حديثي الثراء بغض النظر عن كيفية تحقيق ذلك, إضافة إلى صعوبة تحقيق فرص عمل أو استثمار رغم وجود مؤهلات علمية ورساميل بسيطة تساعد على تأسيس أعمال خاصة أسوة بكل دول العالم وتشجيعاً للعائلات المنتجة, وذلك يعود لعدم توافر قاعدة حكومية أو أهلية مهمة حتى الآن تشجع وتخصص وتطلق أجيالا جديدة من رجال الأعمال بصفة مستمرة كأساس من أسس الاقتصاد الحر.
اليوم المطلوب صحوة اجتماعية كبرى, صحوة أخلاق وقيم وصحوة وطنية, لماذا توجد دول كبرى تفرض ضرائب ثقيلة على مواطنيها لكنهم يفتخرون بأوطانهم أيضاً ولا يجرمون في حقها وهناك دول فقيرة لا تقدم شيئا لمواطنيها لكنهم لا يجرمون بحقها, بينما في المملكة توجد قبلة الأديان وطفرة اقتصادية ودولة رعاية لا جباية إلا أننا نواجه مثل هذه الأزمات, ربما هنا مكمن المشكلة الأهم.
ختاماً أعتقد أن من يقوم بهذه الأعمال مارس الإرهاب النفسي والاقتصادي على بني وطنه وخان أمانته, ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الأكثر قراءة