خسر الأمريكي رهانه .. فهلا نُعين الملك الصالح؟
لا يرى الفتن والأزمات عند إقبالها إلا العقلاء والحكماء، فإذا أدبرت ظهرت حقائقها للعالم والجاهل والصغير والكبير. وفي الأزمات والفتن تكثر الشائعات والأراجيف والتخويف والتهويل وتعظيم صغار الأمور وقلب الحقائق وخلط الأمور حتى يصبح الحليم حيران والجريء جبانا.
راهن الأمريكي على فوائض البترول، فخسر الرهان وتحطمت أمنياته على صخرة الشموخ والعزة التي حوت تصميم هذا الملك الصالح المصلح ونيته المختلفة على بناء هذا الوطن الذي ضمن وتعهد بتسخير جميع فوائض البترول للاستمرار في تنفيذ كل ما خطط له وزيادة من خطط تنموية طموحة لهذه البلاد المباركة.
هذا الضمان وهذا التصميم من الملك لأبنائه، فلِم لا يعينه أبناء الوطن؟
إعلامنا يا ويح إعلامنا، قد تحكم فيه قوالب جميلة مزخرفة كانت وما زالت أتباعا وأبواقا للإعلام الاقتصادي الغربي تعبأ من هناك ثم تبث هنا، تنقل الرعب المالي والاقتصادي من بلاد الغرب لبلادنا، فخلقوا جوا ومحيطا متشائما عطل اقتصاداتنا وجمد استثماراتنا بانتظار ما سيميله الغرب علينا من خلال قنواتنا الإعلامية التي لا هم لها إلا نقل واستنساخ وتقليد ما ينشر في الغرب عن هذه الأزمة.
شتان كبير وبون واسع بين أوضاع الغرب الاقتصادية الآن ووضعنا نحن هنا في هذه البلاد المباركة. اقتصاد هذه البلاد قائم على النفط فإذا ارتفعت أسعاره وزاد إنتاجه استبشر الناس خيرا، ليس لأن عوائد النفط ستصب في جيوبهم مباشرة، ولكن لما ستقوم به الدولة من زيادة الإنفاق على الخطط التنموية داخل الوطن، ما سيجعل من هذه العوائد أضعافا مضاعفة تصب في مصلحة أبناء الوطن، فلو واصلت اقتصادات العالم تدهورها كما يقولون ويروجون، فسيكون ذلك من زيادة توفيق الله لهذا الملك الصالح، حيث ستتضاعف القوة الشرائية للتريليون والنصف (1500 مليار ريال سعودي)، الذي تعهد، وفقه الله، بإنفاقها على تطوير البلاد، فالمشروع الذي يكلف مليارا ستصبح تكلفته 500 مليون وهكذا.
إن تعهد الملك، حفظه الله، لم يأت من فراغ أو أحلام، بل إنه قد ارتكز على نفط سيباع بأسعار 100 دولار وزيادة في حالة خروج الاقتصاد العالمي من هذه الأزمة، وإن كانت الأخرى، وكان الكساد العالمي، فإن الملك قد ارتكز على 1700 مليار من فوائض النفط جاهزة للاستخدام.
إن الملك يريد أن يرسل رسالة واضحة إلى العالم وإلى أبناء وطنه أن المملكة ليست مرتهنة بأسعار النفط السنوات الخمس المقبلة. المملكة تستطيع أن تواصل إنفاقها وستواصل، بإذن الله، على الوتيرة نفسها دون الحاجة إلى بيع النفط للعالم. العالم هو الذي لن يستطيع أن بعيش في كساد عالمي لمدة خمس سنوات لا يستهلك فيه النفط كما كان يستهلكه، ولكن السعودية تستطيع أن تستهلك ما كانت تستهلكه سابقا وزيادة لمدة خمس سنوات، ولو لم تبع برميلا واحدا من النفط.
العالم، وعلى رأسهم أمريكا، فهموا وأدركوا رسالة الملك وسيعملون بمضمونها، فما بالنا نحن لم نفهمها ولم نُعن الملك الصالح.
لم الهلع والتشاؤم؟ ولم هذه الروح الانهزامية من رجال الأعمال والمستثمرين والمواطنين؟ لو أننا افترضنا افتراضا جدليا أن ليس هناك أخبار تأتينا من الخارج، هل سيشعر أحد بأي اختلاف في تدفق عوائد النفط على البلاد للسنوات الخمس المقبلة مع تحقيق ضمان الملك؟ إن ما سنشعره هو انخفاض التكلفة وتهالك الشركات الأجنبية على بلادنا للفوز بالمشاريع بأسعار تنافسية.
إن تعهد الملك بمواصلة الإنفاق الحكومي للسنوات الخمس المقبلة على الوتيرة نفسها أو أكثر هو نبوءة مؤكدة، بإذن الله، بخمس سنوات مقبلة من الازدهار الاقتصادي الكبير لهذه البلاد، وهذه في الواقع ليست نبوءة، بل حقيقة قائمة، بإذن الله، تحقيقا لا تعليقا.
بعد حادث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) قامت أمريكا على قلب رجل واحد يتزعمهم قرين سبان "الذي تخلى بسبب ذلك عن مناداته بالدولار القوي" بمساندة الرئيس الأمريكي بوش فأوقفوا كسادا اقتصاديا كان قد بدأ وأحبطوا خطة الإرهابيين بضرب الاقتصاد الأمريكي بنفخهم الاقتصاد وتغاضيهم عنه بما سموه "سوء إدارة" وباعوا الانتفاخ للمستثمرين الأجانب الذين تدفقت ملياراتهم إلى أمريكا وحُرقت دعما لرفاهية الشعب الأمريكي واستهلاكه وحروب بوش ثماني سنوات دونما إنتاج. وعندما أصبحت اللعبة مكشوفة فقعوا الفقاعة وتباكوا وأبكوا فشُطبت ديونهم وتنادوا إلى إنقاذ العالم وراهنوا على فوائضنا النقدية، فأخسرهم الرهان هذا الملك الصالح وراهن على أبناء وطنه، فهلا نصدق معه ونعينه على كسب رهانه.
الملك ووزارة المالية ومؤسسة النقد قاموا بواجبهم، فالملك ضمن والمالية ستنفذ الضمان بميزانية مبشرة وقوية تقطع دابر المرجفين والمتشائمين للعام المقبل، ومؤسسة النقد كانت وما زالت تضمن البنوك وقامت بتسهيل السيولة وخفضت تكلفتها، فالنداء هنا إذن للبنوك ورجال الأعمال.
ما قد هلك من الثروات والأموال في الإنفاق على رفاهية الشعب الأمريكي قد هلك ولا رجعة له. وما زال التاجر في صعود وهبوط وربح وخسارة ودروس يستفيد منها النبيه الفطن، وهذه هي روح ولب التجارة وسر جاذبيتها.
إن تعطيل التمويلات والمشاريع الاستثمارية انتظارا وترقبا لما ستقوم به أمريكا هو دليل على عدم الاستفادة من هذه الدروس. أمريكا قد اغتصبت أموال أوروبا واليابان بنقضها معاهدة برتن وود، واختلست بهدوء أموال العالم في فقاعة الدوت كم، واستولت على ما تبقى منها بفقاعة المنازل، فالثأر الآن ليس بالقعود والبكاء على ما فات والتشاؤم، بل التفاؤل والاستبشار بفوائض النفط التي تعهد ببذلها الملك الصالح والعمل على استرداد ما ذهب من الأموال بانتهاز الفرصة الآن للاستثمار داخل الوطن واستغلال أسعار السلع والخدمات العالمية التي تهاوت وتتهاوى في الغرب والشرق ومن حولنا حتى إذا عادت الأمور وغلت الأسعار تضاعفت الأرباح أضعافا مضاعفة.
نداء أخير للبنوك، الأزمة الحالية أزمة شح في التمويل فلا تخلقوا أزمة ائتمانية لا وجود لها عندنا. هناك الآلاف من المليارات التي تملكها الدولة، والكل يعلم أن مؤسسة النقد لم تكن لتدع بنكا حتى ينهار، وذلك في صلب السياسة النقدية والسياسة العامة للمملكة، والأزمات تفصح عن قلوب الرجال، والبنوك يقودها رجال من أبناء الوطن، والوطن لا يجري فيه المثل القائل "ألف لحية ولا لحيتي"، بل لحيتي ولا لحى أبناء الوطن، فلتتنافس البنوك في مثل هذه المواقف والأزمات وليشكلوا هم ورجال الأعمال كوكبة من الفرسان، يقودها الملك الصالح، فيجعلوا من هذه الأزمة المالية العالمية طاقة متفجرة تنتج الرخاء والازدهار لهذه البلاد، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.