أين نحن من التقييم العقاري؟
لا أعرف كيف يمكن أن يكون لدينا في المملكة مقيمون عقاريون ونحن بعيدون (مهنياً وتعليمياً) عن هذه المهنة الحساسة جداً في القطاع العقاري؟، (فمثلاً) مصر التي بدأت فيها وظيفة مقيم قبل خمسة عقود، ثم تطورت وتشكلت قبل سبعة أعوام، وهي الدولة التي لديها خبراء في التقييم العقاري ينتمون لمجالس وعضويات دولية.. يبلغ عدد المقيمين فيها حالياً 146 مقيما مجازا، وكذلك الصين الأكبر في عدد السكان لا يتجاوز العدد سوى 35 ألفا!
هذه الأعداد القليلة جداً لم تكن بسبب العزوف عن مهنة التقييم، بل لصعوبة اجتياز الاختبارات والمعايير الدولية، حيث لا تتعدى نسبة الذين يجتازون اختباراتها 25 في المائة في مصر و7 في المائة في الصين، ولعل من أصعب الشروط للتقدم إلى هذه المهنة والحصول على شهادة معتمدة فيها، أن يكون لدى المتقدم 15 سنة خبرة، وأن يتخطى اختبارا تحريريا وميدانيا يؤهله لذلك.
البعد المهني الذي أعنيه.. أنه ليس لدينا مظلة أو مرجع للتقييم، والذي يحصل الآن وفي السابق لا يتعدى الاجتهاد الشخصي، وهنا المشكلة.. فالخطأ البسيط جداً في أي تقييم عقاري ستنتج عنه أزمة مالية داخلية! كالتي ظهرت أخيرا في الولايات المتحدة وأصابت العالم كله، فخبراء التقييم العالميين يؤكدون أن أحد أسباب هذه الأزمة نتج عن انحراف بسيط جداً في تقييم العقارات!
أما البعد التعليمي.. فنحن ليست لدينا مؤسسات تعليمية أو تدريبية تخرج مقيمين محترفين، فهذا النوع من التعليم يجب أن يخضع لحقائب تدريبية ومواد علمية ذات تخصص دقيق لا يقدمها إلا خبراء تقييم دوليين فقط وليس مدربين.
من يعود إلى مقال الدكتور عبد الله الفايز في هذه الجريدة في 18/5/2008 بعنوان: (هل يعاود مجلس الشورى النظر في نظام التقييم العقاري؟) وهو تعليق على موافقة مجلس الشورى على نظام التثمين ورفعه إلى المقام السامي، يعي تماماً أننا أمام نظام ربما يحتاج إلى زمن طويل لنفهم معناه قبل إقراره.
لا بد من إعادة دراسة هذا النظام بعمق، خصوصاً أننا مقبلون على إقرار أنظمة الرهن والتمويل العقاري، ولا يمكن إقرار هذين النظامين قبل إنشاء - على الأقل - الهيئة التي ذكرت في نظام المقيّمين المعتمدين الذي وافق عليه مجلس الشورى، كما جاء في المشروع المرفوع (الهيئة السعودية للمقيمين المعتمدين تتمتع بشخصية اعتبارية وتكون غير هادفة إلى الربح ولها ميزانية مستقلة، وتعمل تحت إشراف وزارة التجارة والصناعة).
إن إدراج نشاط (التقييم العقاري) ضمن الأنشطة التجارية لوزارة التجارة والصناعة، كما جاء أيضا في مشروع النظام المقر من المجلس (وتصدر الوزارة الترخيص بمزاولة مهنة التقييم في الفرع الوارد في طلب القيد - وفقا لما تحدده اللائحة التنفيذية - وتكون مدته خمس سنوات قابلة للتجديد مددا مماثلة، بناءً على طلب يقدم قبل انتهاء الترخيص بـ 90 يوما على الأقل، ويدفع طالب الترخيص رسما قدره ألف ريال عند إصدار الترخيص وعند كل تجديد)، سيجعل من هذه المهنة تجارة رائجة للأخطاء المقصودة وغير المقصودة..!
إن الشركات المتقدمة بطلبات مزاولة نشاط التمويل العقاري، وإدارات التمويل في البنوك هي المعنية بهذا الأمر أكثر من غيرها، بوصفها الجهات الرسمية المقرضة للوحدات العقارية، واعتمادها على مقيمين عقاريين مجازين دولياً سيعزز من الثقة الائتمانية بالسوق العقارية السعودية.
إننا نعلق آمالا على أصحاب المهنة من عقاريين ومتخصصين في تأسيس جمعية للتقييم العقاري، تكون مهامها الرئيسية الحفاظ على سلامة القطاع العقاري ووضع الأسس السليمة و(المعقدة) لمهنة التقييم، حتى لا يأتي من يجرنا إلى أزمات مالية وعقارية.