مساكن الخيام
بتوفيق من الله ومنِّه ينعم حجاج بيت الله الحرام اليوم بالروحانية والاطمئنان في مشعر منى، وهم يسكنون في أكبر مدينة خيام في العالم. مدينة تتكون من آلاف الخيام على مسطح محدود من الأرض، فمشعر منى يقع في وادٍ بين جبلين شديدي الانحدار، يبلغ ارتفاعهما نحو 500 متر فوق سطح البحر، وطول منطقة المشعر أكثر من ثلاثة كيلو مترات بقليل، والمساحة الإجمالية للمشعر تقل عن ثمانية كيلو مترات مربعة، وتبلغ نسبة المساحة المستوية منه قرابة 60 في المائة فقط من مساحة المشعر، وتستوعب ما بين مليونين وثلاثة ملايين حاج، لتصبح بذلك – ربما - المدينة الأعلى كثافة سكانية في العالم. والكثافة السكانية مقياس لمعدل وجود السكان في منطقة واحدة. وتبلغ الكثافة السكانية في مدينة الرياض - على سبيل المثال - 70 شخصاً في الهكتار، بينما تصل إلى أكثر من أربعة آلاف شخص في الهكتار في مشعر منى.
وقد اختيرت مدينة الخيام في منى من قبل اللجنة المنظمة لمعرض "إكسبو 2010" الذي سيعقد في مدينة شنغهاي في الصين لتكون ضمن أفضل 55 منطقة حضرية عالمية فيها حلول مبتكرة من المشكلات والقضايا الحضرية، وليتم عرضها خلال معرض الإكسبو في عام 2010م، مع بقية المدن المختارة تحت شعار "مدينة أفضل، لحياة أفضل".
والخيام في منى مصنوعة من مواد غير قابلة للاحتراق، ومجهزة بمكيفات الهواء، ونظم التهوية، والمآخذ الكهربائية اللازمة لأجهزة الحجاج الكهربائية الشخصية، وفيها شبكة متكاملة لإطفاء الحريق مع أجهزة الإنذار. وقد وزعت الخيام في الموقع على شكل مجموعات بتكوينات نمطية، تتخللها شبكة من الطرق المرصوفة والمضاءة، وزودت بدورات المياه، وبالمناطق المخصصة لجمع النفايات.
وتظهر في مشعر منى هذا العام تجربة جديدة لإسكان الحجاج، فقد أقيمت ستة أبراج سكنية على السفح الجبلي الشرقي لمنى، وسيتم إسكان بعض الحجاج في أربعة أبراج منها، وهي تجربة جديدة تهدف إلى تخفيف الاكتظاظ، واستيعاب أعداد أكبر من الحجاج داخل مشعر منى.
ومدينة الخيام في منى من أعجب المدن في العالم، فهي مدينة تُسكَن فقط سبعة أيام في العام، وتضم فوق ثراها سكاناً من جميع الأعراق والثقافات والخلفيات الاجتماعية والمستويات الاقتصادية، فلا عجب أن تظهر الكثير من السلوكيات المتناقضة التي تتطلب جهوداً كبيرة من العاملين في الميدان للحدِّ منها وتلافيها، فالتدافع والازدحام اللذان يتكررن في كل موسم حج مثالان على المشكلات التي تواجه القائمين على إدارة المشاعر وتنظيمها. وإني وأنا أستشعر شرف خدمة الحرمين والحجاج والمعتمرين التي حبانا الله إياها قيادة وشعباً؛ فإني أشكر الله (عز وجل) أولاً الذي منحنا هذا الشرف، وأدعوه أن يُكلل جهود العاملين في الميدان لخدمة الحجاج - من جميع القطاعات - وأن يجزل لهم المثوبة، وأسأل الله أخيراً أن يتقبل من الحجاج حجهم، وأن يجعل حجهم مبروراً وسعيهم مشكوراً، وأن يردَّهم إلى أهلهم وديارهم سالمين غانمين بإذن الله. وكل عام وأنتم بخير.
أستاذ العمارة والإسكان.