جمعية وطن

إنه عنوان وطني، لكتاب وطني، عن حلم وطني رائع بدأ صغيراً.. ثم كبر، وبعد عقدين ونصف أصبح الحلم حقيقة. في صالة الانتظار تجاذبنا الحديث معه.. وهو ذو أصول اسكتلندية وخبرته نفطية، ويطري المستوى الحضاري في بلدنا. فظننته يتحدث عن صناعتنا وتنميتنا ومدننا ومرافقنا، وما حققته تنميتنا من قفزات وتطور. قاطعني أن ذلك أمر لا شك فيه ولكن الذي استقطب انتباهه أيضاً السمو الإنساني الذي تنتهجه بلدنا في التعامل مع ذويها المعوقين. المفهوم الحضاري يكون في أسمى مستوياته عندما تستحوذ الطبقة الضعيفة في المجتمع على الاهتمام الهادف وعندما تقوم الفعاليات غير الحكومية والتمويل غير الحكومي في احتضان المعوق وإيجاد عالم سعيد ممتع له ليعوضه عما فقده.
ولم أستوعب هذا الواقع الجميل إلا بعد أن وضعت يدي على كتاب اسمه (جمعية وطن) وهو عن جمعية الأطفال المعوقين. وهذا العنوان استقطب اهتمامي لمعناه، ويعني أن أمر هذه الفئة تخص كل الوطن. وهذا المجلد الأبيض الملون بلمسات الأطفال هو سرد مختصر لقصة وتاريخ وواقع وطموحات وأحداث ومناسبات ورجالات هذه الجمعية. يشارك في مسيرتها عناصر مبدعة ووطنية، ويسميهم رئيس مجلس إدارة الجمعية الأمير سلطان بن سلمان آل سعود " بالشركاء".. مسمى له بريق التفاؤل والانتماء.
هذه الجمعية مؤسسة لها رسالة وفروعها عديدة في مقاطعاتنا ويحاكيها جمعيات أصغر تتعلم من الجمعية الأم. ولديها برامج خلاقة لجذب المواطن دعماً واهتماماً بطرق حديثة وجذابة، وتعلم وسائل الوقاية من الإعاقة وبرامج لتطوير الاعتماد المالي الذاتي. ثم هناك مركز الأمير سلمان أول مركز بحثي من نوعه في الشرق الأوسط متخصص في شؤون الإعاقة وأبحاثها. هذه الجمعية تقدم جوائز معروفة ومشهورة لمستحقيها من رجالاتنا ومؤسساتنا في ثلاثة مجالات؛ الخدمة الإنسانية والبحث العلمي والتميز للمعوقين. إذاً الإعاقة ليست عزلا بل مشاركة وممارسة على كامل المسرح الوطني.
عند الولوج إلى داخل هذه الجمعية أو فروعها سترى المعوقين ليسوا معوقين في ممارساتهم متعا ومسابقات تشعرهم بالتعويض. تُفاجأ أن هذا القطاع ليس كما كنا نتصور، ملجأ له أربعة جدران أشبه بالسجن. بل إنه عالم جميل سعيد مليء بروح النشاط والمسابقات والإنسانيات، تتراقص بين جنباته ألوان قوس قزح في الجدران والملابس، مشحونة بطموحات ذويها وخبرة إدارتها، وتشرفها بزيارة أولياء الأمر بدءاً بخادم الحرمين وولي عهده والأمراء والوزراء، كل يريد أن يسهم في ابتسامة المعوق وسعادته.
وعظمة هذا المشروع هو في استقلاليته المادية، فليس أحد مواد أحد بنود ميزانية العمل، بل يعتمد أساساً على التمويل الذاتي باستقطاب الإنسان السعودي بجميع فئاته ومؤسساته (إنه جمعية وطن).
بدأت الجمعية حلماً لمجموعة تحلم دائماً بكل جميل وتحوله إلى تحد، ومن ثم إلى إنجاز. كان حلماً صغيراً.. ولم يتركوه يفر من جفونهم أو ضلوعهم.. بل تمسكوا بهذا الحلم. ويستطرد شاعرنا القصيبي أن هذا الحلم الصغير يكبر ويكبر حتى يصبح بحجم العالم. وصارت جمعية رعاية المعوقين جمعية وطن كل الوطن.
هذا الحلم الصغير صار حقيقة كبيرة لأن الذي وراءه يحققون أحلامهم الوطنية، والذي وراء هذا الحلم رجال عُرف عنهم النجاح والإصلاح وعلى رأسهم الأمير سلطان بن سلمان وشركاؤه ومنهم الدكتور غازي القصيبي وغيرهم من خيرة الناس. مجموعة لامعة تنير الطريق إلى مستقبل سعيد واعد. اللهم وفقهم. نعم احلم حلماً صغيراً.. لا تخف.. سيصبح حلمك واقعاً كبيراً.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي