مجلس التعاون .. والتجارب الأخرى (2)
قبل أن نورد الأسباب التي أدت إلى مخالفة تجربة مجلس التعاون الخليجي للتجارب العربية التي تم التطرق لها في مقال الأسبوع الماضي؛ يجدر بنا أن نقف ولو بشكل سريع ومختصر على بعض المؤشرات التي تجعلنا نعتبر التجربة الخليجية أنجح من غيرها.
يأتي في مقدمة تلك المؤشرات؛ استمرارية المجلس في عمله إلى الفترة الحالية، وذلك من خلال مدة تزيد على الـ 27 عاما. فلم يسبق أن استمرت -في الوطن العربي- تجربة مماثلة بنفس القدر من النجاح. كذلك تأتي بدورها؛ إنجازات المجلس الملموسة في التعاون والتكامل الاقتصادي. فبإعلان الدوحة في كانون الأول (ديسمبر) الماضي (2007) - والذي أنشئ بموجبه "السوق الخليجية المشتركة"- يكون المجلس قد قطع شوطاً طويلا وحافلا بالإنجازات الفعلية في هذا المجال. فعلى الرغم من بعض الإشكاليات التي طرأت بين فترة وأخرى، إلا أنه ووفقاً للاتفاقية الاقتصادية الموحدة والتي وقعت في تشرين الثاني (نوفمبر) 1981، فإنه قد تم إنجاز القدر الكبير والمهم في أساسيات الاندماج الاقتصادي. بهذا لا يمكن تجاهل ما تحقق في شأن منطقة التجارة الحرة (1983) ولا في شأن الاتحاد الجمركي (2003)؛ وهي تلك المراحل المهمة التي أدت بدورها إلى إعلان قيام السوق المشتركة. يضاف إلى ذلك، نجاح المجلس في الصمود، وفي استيعاب، وفي حل الأزمات الكبرى التي واجهته، والتي يأتي على رأسها الغزو العراقي للكويت. كذلك يضاف نجاحاته في حل أغلب الخلافات التي طرأت بين أعضائه بالطرق السلمية. ولا يخفى كذلك؛ نجاح المجلس في دعم وتضامن (وفي بعض الحالات توحيد) السياسة الخارجية لأعضائه. يقال كل هذا دون الحاجة إلى ذكر عديد من الإنجازات التي تم تحقيقها في المجالات العسكرية والأمنية والإعلامية والتعليم، وغيرها من المجالات الأخرى.
إذا كانت التجربة الخليجية بالفعل أنجح من غيرها؛ فما الأسباب الحقيقة التي تقف خلف ذلك النجاح؟
بعكس التجارب العربية الأخرى؛ فلقد كانت هناك أهداف مشتركة للدول الخليجية عند إنشاء المجلس. لقد كان ذلك الاشتراك الاستراتيجي مرتبط ومتعلق بدوافع أمنية- سياسية ودوافع اقتصادية في نفس الوقت. كذلك يعزى نجاح واستمرار تجربة المجلس إلى التشابه في طبيعة دوله؛ خصوصاً ذلك التشابه الواضح في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي. بجانب هذا، فإن حصر عضوية المجلس فقط على الأعضاء الستة (المتشابهين في الأنظمة؛ السياسية والاقتصادية)، قد أسهم بدوره في إنجاح وإبقاء التجربة. فلو كانت عضوية المجلس موسعة وتحتوي على دول ذات أنظمة وتوجهات سياسية مختلفة (كالعراق على سبيل المثال)، لربما قد انتهت تجربته في وقت سابق.
كذلك أسهم استخدام النموذج الأمثل "للتعاون والاندماج" والمتمثل في البعد الاقتصادي بدور بارز في إنجاح مسيرة المجلس. وبجانب كل ما ذكر، كان هناك دوراً بارز لفلسفة عمل المجلس؛ ولاسيما من خلال طريقة عمل المجلس الأعلى؛ فطبيعة وسلاسة التعامل بين القادة عززت من إنجاح التجربة الخليجية؛ خصوصاً إذا ما قورنت بالتجارب العربية الأخرى.