مصير إمدادات المياه العالمية معلق في الميزان
بينما كان انتباه العالم منصبا على الانتخابات الأمريكية، كان العدد المتزايد من أحداث الطقس القاسية ــ من الفيضانات الكارثية في إسبانيا إلى أسوأ موجة جفاف في جنوب إفريقيا منذ قرن من الزمن ــ يسلط الضوء على الحاجة إلى التركيز على تغير المناخ، وخسارة التنوع البيولوجي، ودورة المياه المتغيرة.
هذه الأزمات مترابطة، والأعراض تزداد سوءا على سوء. عندما يقتل الجفاف المحاصيل، يعاني الملايين من البشر؛ وعندما تضرب الظواهر القاسية المرتبطة بالمياه (الأكثر أو الأقل مما ينبغي) المجتمعات المستضعفة، فقد تؤثر عمليات النزوح والهجرة والصراعات الناتجة عن ذلك في الجميع. مع ذلك، لا أحد ينصت. فقد حظيت قمة التنوع البيولوجي الأخيرة في كالي بكولومبيا (مؤتمر الأطراف السادس عشر) باهتمام دولي ضئيل، وفشلت في إنتاج خريطة طريق لزيادة التمويل اللازم لحماية الأنواع.
على الرغم من أهمية هذه التطورات، فإنها هامشية فيما يتصل بمهمة وقف خسارة التنوع البيولوجي. الأسوأ من ذلك أنها قد تعمل كستار دخان للتقاعس العالمي، كما رأينا على مر السنين في مفاوضات المناخ العالمية، حيث حجبت الجلسات المطولة حول التجارة و"الخسائر والأضرار" ورغم أن الإطار العالمي للتنوع البيولوجي ــ الذي اعتُـمِـد في مونتريال في 2022 ــ وضع أهدافا طموحة لحماية 30% من مساحة الكوكب بحلول 2030، فإن 158 دولة لم تقدم بعد خططا رسمية حول كيفية الاضطلاع بدورها.
في تقريرنا النهائي المقدم إلى اللجنة العالمية المعنية باقتصاديات المياه، نوضح كيف أن عالمنا مترابط ليس فقط من خلال المياه الزرقاء في أنهارنا وبحيراتنا، بل وأيضا من خلال "المياه الخضراء" المحمولة في رطوبة التربة. ونحن فضلا عن ذلك متصلون جميعا من خلال "أنهار جوية": الرطوبة التي تنتقل من التربة عبر النباتات والغابات إلى الغلاف الجوي، حيث تتدفق بين المناطق لتوفير الأمطار الأساسية.
تُــعَـد الحياة النباتية الموفورة الصحة العمود الفقري لهذه العملية، حيث يَـنـتَـح الماء من النباتات إلى الغلاف الجوي لتوليد السحب. وتستفيد بعض البلدان بشكل غير متناسب من هذه الأنهار الجوية، في حين تعد بلدان أخرى، مثل الهند والبرازيل، من كبار مصدري الرطوبة. يعتمد ما يقرب من نصف هطول الأمطار العالمي على استخدامات الأراضي المجاورة، وهذا يؤكد على أهمية الحفاظ على صحة الأنظمة البيئية في مختلف أنحاء العالم.
إن تكاليف التقاعس عن التحرك هائلة. ذلك أن الدورة الهيدرولوجية غير المستقرة تعني أضرارا اقتصادية بعيدة المدى. وتُـنذِر أنماط هطول الأمطار المتغيرة، ودرجات الحرارة المرتفعة، ومخزونات المياه المنخفضة، وتراجع القدرة على الوصول إلى المياه النظيفة بخسائر ضخمة في الناتج المحلي الإجمالي. وتواجه البلدان المرتفعة الدخل انكماشا في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 8% بحلول 2050، وقد تعاني البلدان ذات الدخل الأدنى انخفاضا يصل إلى 15%. في الوقت ذاته، يتركز أكثر من نصف (55%) إنتاج الغذاء في العالم الآن في مناطق تعاني نقصا إمدادات المياه العذبة.
لا يزال بوسعنا تحويل مسار أزمة المياه العالمية، لكن هذا لن يتسنى لنا إلا بحماية واستعادة الأنظمة البيئية المتدهورة. وكما يشير تقرير اللجنة، تتمثل نقطة انطلاق جيدة في تبني الحكومات لمجموعة واضحة من السياسات الموجهة نحو تحقيق المهام "للحفاظ على، واستعادة، الموائل الطبيعية التي تشكل أهمية بالغة لحماية المياه الخضراء".
يتعين على الحكومات أن تبذل مزيدا من الجهد للاعتراف بحقوق الشعوب الأصلية، التي تتولى إدارة ورعاية رُبع أراضي الكوكب ونحو 40% من الأراضي الطبيعية المتبقية في مختلف أنحاء العالم. على الرغم من اتفاق مندوبي مؤتمر الأطراف السادس عشر على أن الشركات يجب أن تعوض المجتمعات المحلية والأصلية عن استخدام المعلومات الجينية المستمدة من التنوع البيولوجي الذي تساعد على حمايته، فإن حدود التعويض يجب أن تكون أكثر طموحا.
الستار الدخاني الرمزي ليس دليلا على نجاح القمة. ونحن لا نملك تَـرَف تحمل خسارة عقد من الزمن من العمل على تعزيز التنوع البيولوجي. إن وصول العالم إلى المياه العذبة يعتمد على تحرك الحكومات لبذل مزيد من الجهد الآن.
خاص بـ"الاقتصادية"
.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2024.