من يحمي المقترضين للسكن؟
أكثر ما يشغل الناس في حياتهم هو الحصول على مسكن مهما كلف الأمر من مخاطر في مديونية يظل الإنسان يسددها طوال عمره لصالح جهات التمويل.
ولن يستقر الأشخاص من أرباب الأسر ذهنياً ونفسياً وعاطفياً ما لم يوفروا لأنفسهم وذويهم المساكن الملائمة، وهو حق مشروع ومرغوب، بل إن ذلك يعد تحدياً أمام أصحاب الدخول المتوسطة بالذات لتملك وحدات سكنية بصرف النظر عن مساحتها، حيث إن الذين يتملكون مساكن دون مديونية يكونون أكثر استقراراً من المعتمدين على التقسيط.
هذه الحاجة الملحة للمسكن أنتجت لدينا تخبطاً في تمويل الإسكان من قبل عدد كبير من جهات الإقراض من بنوك وشركات عقار وتقسيط، مستغلة ضعف الناس وتجرعهم المر لأجل تحقيق حلم العمر بتملك مسكن، فالبعض يقبل بشروط قاسية وفوائد عالية رغم عدم قناعته بها، والبعض يوافق على مسكن متهالك وفي منطقة غير مرغوبة، وآخرون لا يمانعون في وحدات سكنية جديدة تحتاج إلى صيانة دائمة، والأكثر مرارة أن عديدين يوقعون على عقود (قاتلة) دون تفحص لمضمونها وأبعادها القانونية.
ولو افترضنا أن مدة التقسيط 20 عاماً وهي المدة المتعارف عليها في هذا النوع من التمويل، فإن آثارها المالية والنفسية السلبية ستظهر في الأسرة بعد أقل من خمس سنوات، وعندها يحاول بعض الذين تورطوا في العقود، التخلص من مساكنهم حتى لو تنازلوا عن حقوقهم السابقة واللاحقة، وجزء منهم (يجر) إلى القضاء برغبته أو عنوة لإنهاء الحقوق التي له أو عليه.
نحن إزاء قضية مهمة تتطلب حماية أناس وجدوا أمامهم برامج ومشتقات تمويلية غايتها تجارية، إلا أنها مغرية أمام تملك مسكن للذين ليس لديهم القدرة المالية على شراء منزل أو أرض سكنية، الأمر الذي يدعونا إلى البحث عن حلول وبدائل تضاف إلى أطروحات سابقة تهدف إلى زيادة فرص الحصول على مساكن دون إرهاق للناس.. ومن ذلك:
وقف التعاملات الحالية للتمويل المبنية على استغلال حاجة الناس للمساكن لحين إعادة النظر في صيغ عقود جديدة ومن بينها العقود التي تمت بين الممولين والمشتركين سارية المفعول.
تأسيس جمعية أو لجنة متخصصة في التقييم والتثمين العقاري تتحمل مسؤوليتها الأخلاقية والمهنية أمام راغبي تملك الوحدات السكنية والأراضي المراد تقسيطها.
إيجاد بدائل تمويل مشروعة ومنطقية مجاز بنودها من مكاتب محاماة وذات فوائد منخفضة وتسهيلات ويسر في التسديد، على أن تضمن للطرفين حقوقهما المالية.
ولعل الأفضل من ذلك أن تكون مصادر تمويل الإسكان من صندوق التنمية العقاري برفع قيمة القرض المقدم ودعم أكبر لرأسماله لتحريك القوائم المنتظرة.
أو من جهات العمل التي ينتمي إليها طالبو المسكن من خلال إيجاد أنظمة شبيهه بأنظمة التقاعد والتأمينات والخاصة بالنسبة المستقطعة من مرتب الموظفين شهرياً، وذلك لتأسيس استقرار نفسي ووظيفي للعاملين سواءً استمروا في منشآتهم أو انتقلوا إلى منشآت أخرى، فهاتان الجهتان (الصندوق وجهة العمل) أكثر رحمة بالناس من بعض جهات تمويل المساكن الحالية وربما المستقبلية.