الجهاد المظلوم!

لم تظلم كلمة بقدر ما ظُلمت كلمة "الجهاد"، فقد حاول بعضهم حصر هذا المصطلح الحضاري في المغالبة القتالية. ورغم أن الجهاد ـ كما هو مستقر في أذهان عموم المسلمين بمعنى قتال العدو الباغي ـ أمر معلوم من الدين بالضرورة ومن القطعيات الشرعية التي ليس بوسع مسلم أن يجادل حولها، إلا أن فضاءات المصطلح تتسع لمعان ومجالات أخرى يحتاج إليها في رحلته الاستخلافية لعمارة الكون، وبناء نموذج حضاري تحتاج إليه الإنسانية كما لم تحتاج إليه من قبل.
إن من أنواع الجهاد الواجب الدفع باتجاهها وضرورة العمل على توفير أدواتها وتهيئة مناخها: الجهاد الصناعي كركيزة لعملية التنمية التي هي لازمة لا غنى عنها لتحقيق التنمية القادرة على انتشالنا من وهدة التراجع والضعف. نمتلك قدرات هائلة من الطاقات المعطلة، أو التي لم يتم بعد وضعها على الطريق الصحيح، فلدينا طاقات شبابية تعد ـ بلا مبالغة ـ كنزاً لا يقدر بمال، إن نحن أحسنا توجيهها. نحتاج إلى تنمية الوعي بهذا النوع من الجهاد وأن نؤمن بقيمته ومشروعيته وعظيم أجره. إن الجهاد الصناعي واستخدام طاقات المجتمع وتوجيهها نحو هذا الأمر العظيم هو طريق النهوض.
وللجهاد الصناعي عدته التي لا يمكن خوض غماره وولوج ميدانه من دونها، فوضع خطط محكمة وبأجندات زمنية وبرامج محددة لبناء قاعدة الانطلاق الصناعي أمر لا بد منه ولا محيد عنه. ونستطيع أن نحول طاقات الشباب، التي يتملكنا الخوف من الآثار السلبية الناجمة عن تعطلها وركودها، إلى عناصر خلاقة وقوة دافعة تمثل الساعد الرئيس الذي نركن إليه ونعول عليه في صناعة مستقبل مشرق وواعد.
نحتاج إلى إعادة النظر في أنماط تفكيرنا في الاستثمار وتنمية المداخيل، فلا نهضة بلا مشاركة ووعي مجتمعي فاعل، فالدولة وأجهزتها يرتبط دورها بتوفير المناخ وإزاحة العراقيل. ويبقى الدور الأعظم للمجتمع الذي من نسيجه تتولد القدرات وتتفعل السياسات وتأخذ الخطط طريقها إلى النفاذ لتتحول من مجرد أحبار وأرقام وحروف إلى كيانات ملموسة وشواهد معلومة في طريق البناء الحضاري.
تتملك بعضنا الأنانية فيحدد وجهتنا الاستثمارية تبعاً لرغبته في ذلك النشاط الذي يدر عليه أكبر الدخل، بصرف النظر عن الإضافة التي يقدمها هذا الاستثمار إلى رصيد المشروع التنموي، الذي يمثل رصيداً جمعياً لكل أبناء الوطن. وبسبب هذا النزوع الأناني تنتشر المشاريع الاستهلاكية، ويحجم كثيرون عن الاستثمار في المشاريع التصنيعية التي ربما تكون عوائدها الربحية في المدى القصير. ويفوت من تتملكهم هذه النزعة أن هذا الاستثمار الوعر يحقق أرباحاً  تطول بتأثيراتها شرائح كثيرة في المجتمع، كما أنها بمثابة لبنات ومداميك في صرح البناء الحضاري.
إن من يخوض طريق الجهاد الصناعي ويحدد مجال استثماره وعمله وهو يضع نُصب عينيه مستقبل مجتمعه، إنما يدخر فوق أرباحه المادية أربحاً هائلة غير منظورة لبعضهم، فحضارتنا لا تؤمن بمن يحيا لنفسه ولا يحسب خطواته إلا وهو ينظر أسفل قدمه. ولا بد أن يتفهم بعضنا أن الجهاد الصناعي يهب الحياة ويبعث في أمتنا ومجتمعنا النهوض، ومن ثم فإن أجره عظيم، فهل آن الأوان لتصحيح المفاهيم وتصويب الأغاليط؟ وهل حان الوقت لنخوض طريق الجهاد التنموي حتى نكون جديرين بأن نكون أمة الشهود؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي