"تقنية المعلومات" بين هيئة الاتصالات وهيئة المواصفات
حينما نقول "تقنية المعلومات IT، فنحن نعبر من الناحية العلمية عن الوسائل الإلكترونية التي تستطيع التعامل مع المعلومات. ويشمل ذلك وسائل تخزين المعلومات ومعالجتها، بمعنى تنفيذ إجراءات مُختلفة باستخدامها تتضمن عمليات حسابية أو مُقارنات منطقية أو غير ذلك، إضافة إلى إمكان نقل هذه المعلومات من مكان إلى آخر. وحينما نقول تقنية المعلومات والاتصالاتICT فإن الأمر لا يختلف هنا، لكن الجزء الأول، وهو تقنية المعلومات، يعني تخزين المعلومات ومعالجتها، أي ما يقوم به الحاسب، بينما يعني الجزء الثاني، وهو الاتصالات القدرة على نقلها.
يفصل التعبير الثاني الاتصالات عن تقنية المعلومات، ولهذا الفصل أسبابه، لكنه لا يُغير المفاهيم العلمية الرئيسة للتعامل مع المعلومات. ويعود السبب الرئيس في فصل الاتصالات عن تقنية المعلومات في كثير من التعبيرات إلى عوامل تاريخية. فالاتصالات سبقت الحاسب بنحو قرن من الزمن، وأصبح لها اتحاد دولي في القرن التاسع عشر جرت إعادة تأسيسه عند انتهاء الحرب العالمية الثانية قبيل ظهور الحاسب، ويُعرف بالاختصار ITU. وعلى ذلك اقتصرت مهمات هذا الاتحاد على التعامل الفني والإداري مع قضايا الاتصالات، أي قضايا نقل المعلومات وليس قضايا تخزينها أو معالجتها.
عند ظهور الحاسب، لم يتصد الاتحاد الدولي للاتصالات لشؤونه الفنية والإدارية، وإنما كان ذلك من نصيب هيئة المواصفات الدولية ISO، والهيئة الدولية للتقنية الكهربائية IEC. فقد شكلت هاتان الهيئتان لجنة مُشتركة لتقنية المعلومات، تُعرف اختصاراً بالأحرف JTC1. وأخذت هذه اللجنة على عاتقها الاهتمام بالشؤون الفنية والإدارية لتقنية المعلومات. وبذلك انفصلت شؤون الحاسب على المستوى الدولي، أي تخزين المعلومات ومُعالجتها، عن شؤون الاتصالات، أي نقل هذه المعلومات، وذلك على الرغم من التداخل العضوي بينهما الذي يقع ضمن تعبير "التعامل مع المعلومات".
وقد أدى الانفصال بين الهيئات المهتمة بشؤون الحاسب والهيئات المعنية بشؤون الاتصالات على المستوى الدولي إلى انفصال مُماثل على المستويات الوطنية. فهيئة المواصفات والمقاييس السعودية ترتبط في نشاطاتها الدولية مع كل من هيئة المواصفات الدولية ISO، والهيئة الدولية للتقنية الكهربائية IEC، وعلى ذلك تدخل شؤون الحاسب وتقنيات تخزين المعلومات ومعالجتها في نطاقها. وتبقى شؤون الاتصالات التي يرعاها الاتحاد الدولي للاتصالات ITU لتدخل في إطار هيئة الاتصالات السعودية التي باتت تحمل اسم هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات.
في حياتنا المهنية في مجال تقنيات المعلومات عموماً علينا أن نلجأ إلى الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس، فيما يخص المعايير الفنية والإدارية المرتبطة بالحاسب وتخزين المعلومات ومعالجتها، وعلينا أن نلجأ إلى الهيئة السعودية للاتصالات وتقنية المعلومات فيما يخص المعايير الفنية والإدارية المرتبطة بنقل المعلومات. وهناك بالطبع تداخل كبير في النواحي الفنية والعمل الإداري بين الاثنين، لأن في كليهما تعامل مع المعلومات.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل نُبقي على الفصل الموجود على المستوى الدولي موجوداً أيضاً على مستوانا الوطني، أم نسعى إلى التغيير. إذا كانت هيئة الاتصالات قد أصبحت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، فإن المُتوقع من هذه الهيئة أن تتصدى فنياً وإدارياً لكل ما يتعلق بالتعامل مع المعلومات تخزيناً ومُعالجة ونقلاً وليس نقلاً فقط. أي أن هذه الهيئة يجب أن تحرص، من الناحيتين الفنية والإدارية الدولية، على ألا ترتبط فقط بالاتحاد الدولي للاتصالات، بل أن ترتبط أيضاً بلجنة تقنية المعلومات JTC1 التابعة لكل من هيئة المواصفات الدولية ISO، والهيئة الدولية للتقنية الكهربائية IEC. بهذا الارتباط تستطيع هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية أن تُمارس دورها المأمول على المستوى الدولي.
إن مشروعات تقنيات المعلومات لا تُميز عادة بين تخزين المعلومات ومُعالجتها من ناحية، ونقلها من ناحية أخرى، لأن هذه الوظائف باتت كُلاً مُتكاملاً. ومن ذلك على سبيل المثال كُل ما هو مرتبط بالحكومة الإلكترونية والتجارة الإلكترونية والتعليم الإلكتروني، والعمل عن بُعد وغير ذلك. نأمل أن نستطيع أن نُدير شؤون تقنيات المعلومات في بلادنا على أفضل وجه مُمكن، لأن هذه التقنيات باتت جزءاً من التطور المنشود نحو بناء مُجتمع المعرفة، وتحقيق التنمية المرجوة.