تدويل أم حل أزمة دارفور؟
على الرغم من أن أحد أهم مبادئ الأمم المتحدة قد نص على أنها "لن تتدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة"؛ إلا أن ميثاق المنظمة قد أعطى لمجلس الأمن رزمة من التدابير والصلاحيات التي تخوله للتدخل في أية نزاع أو خلاف "يهدد الأمن والسلم الدوليين". وذلك ابتداء من حق المجلس في "التحقيق في أي نزاع أو حالة قد تؤدي إلى خلاف دولي" إلى حقه في اتخاذ التدابير اللازمة بما فيها الإجراءات الاقتصادية والعسكرية.
بهذا أصبح موضوع التدخل في أية أزمة أو حالة يمكن أن تفسر بأنها مهددة للسلم و الأمن الدوليين أمراً غالبا. وهذا ما يجعل هناك مجالا فسيحا لحجج التدخل إذا ما حدث في أية دولة ما يمكن أن يعتبر أزمة على هذا المنوال. وهو الأمر عينه الذي جعل من تفاقم الوضع في أزمة دارفور باباً مفتوحا على مصراعيه للتدخل في السودان.
لقد شكل الأمين السابق للأمم المتحدة في تشرين الأول (أكتوبر) 2004 " لجنة دولية للتحقيق في الأوضاع في دارفور"، وفي آذار (مارس) 2005 أحال مجلس الأمن موضوع دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية. بذلك تواصلت القصة المعروفة التي دفع بها المدعي العام للمحكمة الجنائية، لويس اوكامبو، إلى أن صدر القرار الأخير حول مذكرة اعتقال الرئيس السوداني عمر حسن البشير.
يضع هذا القرار السودان عند مفترق طرق؛ فإما إلى المزيد من التصعيد من قبل المجتمع الدولي (والحكومة السودانية على حد سواء)؛ وإما إلى التهدئة ومعالجة الأمور عن طريق إيجاد مخارج وحلول. وفي حقيقة الأمر أن مأساوية الوضع الإنساني في السودان ولاسيما في إقليم دارفور لا تقبل المزيد من التصعيد لهذه الأزمة المتفاقمة. سواءً كان ذلك عن طريق طرد الحكومة السودانية للمنظمات الإنسانية (العالمية) العاملة هناك أو حتى من خلال فرض عقوبات (دولية) بأية شكل على السودان.
موضوع مذكرة الاعتقال والترتيبات القانونية حولها موضوع آخر لا يتسع المقام لذكره هنا، ولكن يمكن تصور بعض الحلول التي لا تزال بعضها قابعة في يد حكومة السودان. يأتي في مقدمة هذه الحلول نزع سلاح المليشيات بما فيها مليشيات الجنجويد وإحلال قوات نظامية (سودانية) محلها لكي تتم حماية جميع السكان في الإقليم من أية هجمات من قبل أية مليشيات كانت. فعدم سيطرة الحكومة السودانية على الأوضاع بشكل فعلي وعادل قد أدى في حقيقة الأمر إلى استحالة إيجاد حلول حقيقية للمشكلة في المقام الأول. بجانب هذا فإن الاستمرار في عملية التفاوض وإحلال السلام مع كافة المجموعات ولاسيما الجيش الشعبي لتحرير السودان وحركة العدل والمساواة كان ولا يزال أحد أهم المخارج من هذه الأزمة. كذلك فإن تعزيز قوات حفظ السلام في دارفور قد أصبح مطلبا أساسيا؛ وإن الحل الفعلي للمأساة الإنسانية يكمن في مضاعفة أعداد تلك القوات.
والخلاصة تكمن في أن تصعيد الأزمة لا يؤدي بالضرورة إلى إيجاد حلول فعالة وأن الحل ممكن مع إيجاد حلول بناءة لا تزال الخرطوم والقوى المحركة للأزمة قادرة عليها رغم تأخر العمل بتلك الحلول على مدى السنوات (الست) الماضية.