لماذا تشكل إفريقيا أهمية لمستقبل الاقتصاد السعودي؟
تتمتع السعودية بمكانة خاصة لدى الشعوب الإفريقية، وذلك لعدة أسباب أهمها المكانة الدينية، والقرب الجغرافي، والعلاقات التاريخية التي تمتد لمئات السنوات. وفي ظل التطور الذي تعيشه السعودية مع إطلاق رؤيتها للتنمية لعام 2030، فإنها أمام فرصة لتحويل علاقتها بالقارة الإفريقية إلى شراكة اقتصادية وإستراتيجية شاملة. ستقوم تلك الشراكة على مبادئ المنفعة المتبادلة، حيث ستستفيد السعودية من سوق إفريقية كبيرة غير متشبعة بالسلع، إضافة إلى استفادة مباشرة من الثروات الإفريقية مثل الزراعة والمعادن. بينما سيعود النفع على القارة من الاستثمارات التي ستضخها السعودية لتطوير البيئة الاقتصادية والاجتماعية، عبر مشاريع تسهم في تحسين البنية التحتية وزيادة مستويات التشغيل والدخل.
التطور في العلاقات بين السعودية وإفريقيا تدعمه مؤشرات اقتصادية قوية. على المستوى التجاري تشكل القارة أهمية لصادرات السعودية، حيث وصل حجم الصادرات السعودية إلى إفريقيا في 2023 إلى 19 مليار دولار، وذلك مقارنة بنحو 15.7 مليار دولار في 2019. فيما وصل حجم الواردات إلى 3.9 مليار دولار في 2023 مقارنة بنحو 3.3 مليار دولار في 2019. على صعيد الاستثمار، فالسعودية تعتبر واحدة من أهم الشركاء للقارة. وتضع أنظارها على المستقبل، ففي 2023 أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن تطلع السعودية لضخ أكثر من 25 مليار دولار استثمارات مباشرة جديدة في القارة بحلول عام 2030. وتتوزع الاستثمارات السعودية في القارة الإفريقية على مختلف القطاعات مثل الطاقة المتجددة والزراعة والسلع الاستهلاكية. على سبيل المثال تقود شركة أكوا باور استثمارات السعودية في الطاقة النظيفة في القارة وذلك في 3 دول هي مصر والمغرب وجنوب إفريقيا. في الأخيرة قامت الشركة بإنشاء مشروعين للطاقة الشمسية بتكلفة تصل إلى 1.2 مليار دولار، وبقدرة إجمالية 150 ميجاوات.
دعمت السعودية أيضا عمليات التنمية في القارة، حيث قدمت أكثر من 45 مليار دولار لدعم المشاريع التنموية والإنسانية في 54 دولة. مع وعود بتقديم 5 مليارات دولار إضافية بحلول 2030. وكما تناولنا في المقال السابق أهمية بناء السعودية لسلاسل التوريد المحلية، فإن القارة الإفريقية يمكنها أن تكون فاعلا رئيسيا في تلك الخطوة. حيث يمكن للسعودية عبر توجيه الاستثمارات إلى قطاعات مختلفة مثل التعدين أن تساعد على توفير الاحتياجات الضرورية لتلبية الطلب المحلي من المعادن المختلفة مثل الكوبالت والنحاس والليثيوم والألمنيوم وغيرها من المعادن الأخرى.
تمتلك إفريقيا ثروة زراعية وحيوانية كبيرة غير مستغلة، حيث تتوافر كافة المقومات مثل التربة الخصبة والمياه الوفيرة والأيدي العاملة الرخيصة. ويمكن أن تشكل تلك العوامل فرصة مهمة لها لتحقيق الأمن الغذائي الداخلي، عبر تكثيف الاستثمار في القطاع الزراعي في القارة. وبخاصة في المحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه، والتي تحتاج إلى بيئة مهيئة غير متوافرة في السعودية مثل الحبوب (القمح والذرة)، إضافة إلى الأعلاف وغيرها من المحاصيل الأخرى.
ولضمان تحقيق أفضل النتائج في العلاقات مع إفريقيا، يقترح مجموعة من السياسات المهمة مثل تولي صندوق الاستثمارات العامة مهمة توجيه الاستثمارات للقارة بالتنسيق مع القطاع الخاص السعودي، بما يساعد على تعظيم الاستفادة المحلية سواء للقطاع الصناعي أو الاستهلاكي من تلك الاستثمارات.
ويقترح أيضا إطلاق مبادرة لتطوير البنية التحتية في القارة الإفريقية. وتقوم الشركات السعودية بالتعاون مع الشركات والهيئات المحلية في الدول بتنفيذ تلك المشاريع، على أن تقوم على أساس نظام (BOT). الأمر الذي يعود بالنفع على الطرفين.
الاتجاه لتوقيع اتفاقيات شراكة اقتصادية شاملة مع دول القارة، الأمر الذي يساعد على دعم تدفقات التجارة والاستثمار والسياحة، مع إمكانية زيادة التبادل التجاري بالعملة الوطنية، ما يعزز من مكانة الريال في الخارج. إمكانية إحياء مبادرة الملك عبدالله للاستثمار الزراعي في الخارج، مع العمل على توفير حوافز للشركات المحلية المشاركة في المبادرة، مثل توفير التمويل بفائدة منخفضة وشراء السلع المنتجة بهامش ربح مقارنة بالأسعار العالمية.
ختامًا، فان الروابط التاريخية والمكانة التي تتمتع بها السعودية في إفريقيا تؤهلها لتكون شريكا اقتصاديا وتجاريا مهما لدول القارة. ونظرًا لما تملكه القارة من ثروات وإمكانات كبيرة فإنها ستسهم بشكل مباشر في دعم مستقبل الاقتصاد السعودي سواء عبر المشاركة في بناء سلاسل إمداد قوية أو تحقيق الأمن الغذائي بجانب توفير سوق كبيرة للسلع السعودية.