الوزة التي تبيض ذهبا

إذا كنت لا تؤمن بقصة الوزة التي تبيض ذهبا (أو الدجاجة حسب رواية أخرى) فجدير بك إن تلتفت إلى البنوك المركزية. فالبنوك المركزية تطبع النقود متى شاءت، وهو امتياز يذكرني بعلم الكيمياء القديم وتحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب.
والسبب الحقيقي للأزمة محل خلاف ولكن الأزمة محل إجماع . وأوضح مظاهر الأزمة هو أزمة السيولة فلا يبدو أن البنوك ترغب في الإقراض، ولا يبدو أن المستثمرين يرغبون في الاستثمار، ويبدو أن عجلة الاقتصاد أخذت شكلا مربعاً!.
والمنطق البسيط يقول التالي: إذا كان المستثمر مترددا في الاستثمار فلا بد أن تستثمر الحكومات في المشاريع وأن تضخ الحكومات مزيدا من النقد وهو ما يسمى بالسياسات المالية والنقدية التوسعية. والحقيقة أن حكومات العالم اليوم لم تجد بدا من أن تضخ تريليونات الدولارات في النظام المالي والاقتصادي العالمي. وهي تعلم حينما ضخت هذه الأموال أن هناك آثارا جانبية غير مرغوبة ستتكون نتيجة لهذا الإنفاق. أحد أهم هذه الآثار هو التضخم. والتضخم بمعناه الاقتصادي البسيط يعرف بالتالي too much money chasing too little goods وبالعربي (أموال كثيرة تبحث عن بضائع قليلة) والفكرة أن الأموال تزيد ولكن قيمتها تقل. تماما مثل حجم المرأة يصبح أكبر مع الزمن لكن أقل قيمة! وحتى لا تغضب النساء فهو مثل أن يدفع الرجل للحلاق 30 ريالا ليقص شعره الذي كان يقصه بعشرة ريالات حينما كان لديه شعر!!
والتضخم الحاد مزعج ويسبب عدم الاستقرار في الاقتصاديات، ففي العشرينيات من القرن الماضي عانت ألمانيا من تضخم وصل إلى مليون في المائة سمي بالمنيو انفليشن. والاسم جاء من كلمة المنيو أو قائمة الطعام. وسبب التسمية أن أسعار الوجبات في المطعم كانت تكتب على سبورة في طرف المطعم وكان الجرسون يغيرها كل ساعة، ولذا كان من الأوفر أن يأكل الناس بسرعة أو أن يطلبوا الفاتورة قبل بدء الأكل!!
عموما فالحكومات توازن دائما بين أضرار التضخم وأضرار الكساد. ولذا تقبل التضخم إذا كان البديل له هو الكساد ونسب البطالة المرتفعة. ويبدو أن الحكومات في العالم قبلت أن تضخ أموالا ضخمة لانتشال العالم من الكساد وهي تعلم يقينا أن ذلك سيسبب تضخما في الاقتصادات. هناك حقيقة سبب آخر خفي لقبول التضخم وهو أن الذي يكسب من جراء التضخم هم المقترضون والمستثمرون، وهؤلاء هم أصحاب الثروات وبالتالي أصحاب النفوذ الذين يسيطرون على توجهات الحكومات في الأنظمة الرأسمالية. عموما هذا يقودنا إلى التساؤل حول أفضل الاستثمارات؟ إذا صح التحليل أعلاه فإن أفضل الاستثمارات هو الاستثمار في الأشياء الملموسة مثل العقارات والمواد الخام والبضائع كالنفط والحديد والنحاس وما إلى ذلك. الأوراق المالية كالأسهم والسندات جيدة كلما اقتربت أكثر من المواد الخام. فالاستثمار في شركات النفط أفضل مثلا من الاستثمار في شركات الطيران. والسندات المربوطة بأسعار المواد الخام أفضل من السندات العادية وهكذا. أظن هذا صحيحا وأترك الباقي لكم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي