السبت, 3 مايو 2025 | 5 ذو القَعْدةِ 1446


أحياؤنا السكنية

كثير من الناس يتحدث عن الأحياء النموذجية ولكن القليل منهم يحدد أو يدرك ماذا يقصد بالحي النموذجي.. وأكاد أجزم أنك تكاد لا تجد في بلادنا حيا نموذجيا أو حتى تصميما لحي نموذجي متكامل هندسيا واقتصاديا واجتماعيا بحيث تضعه البلديات أمام الجمهور والمستثمرين والمطورين العقاريين ليقتدى به وليعمل على تطويره وليوضع منه أنظمة وقوانين لتطوير أحيائنا لتكون مصدر رفاهية لحياتنا الاجتماعية والاقتصادية.
ونحن في الكتابة الصحفية نضرب أمثلة ونصور مشاهد تظهر طبيعة الأحياء النموذجية (بعيدا عن وضع تعاريف علمية) لنسهم في نقل الثقافة بأسلوب محبب سهل جاذب بحيث لا ننغمس في الأطر العلمية ووطأتها الشديدة .. المشهد الأول الذي يقرب أحياءنا من النموذجية هو توافر الحدائق العامة المناسبة في كل حي، التي تستدير أو تكاد تستدير حولها المساكن من فلل أو دبلكسات أو مجمعات سكنية.. إنها بحق كارثة إنسانية أن تمر بسيارتك على أحياء ثم أحياء في مدن وقرى المملكة المترامية الأطراف ثم لا تجد في معظم الأحياء أي حديقة فضلا عن أن تتأمل حديقة مناسبة.. ولو وجدت حديقة عامة في الأحياء السكنية المحظوظة فإنها لن تعدو أن تكون صغيرة وغير مهيأة ولا مناسبة للاستجمام أو الحياة الاجتماعية لأهل الحي، وغالبا أكثر ما تعطيه هو منظر جميل لمن صادف أن يمر من حولها.
أظنه لا يختلف اثنان على أن الحديقة العامة المناسبة إن لم تكن ضرورة للحي فهي حاجة يتنفس من خلالها سكان الحي ويستوي في ذلك المواطنون الذين لا يجدون حدائق لمنازلهم (كما هي أغلب العمائر السكنية والدبلكسيات والفلل الصغيرة) وأيضا أولئك الذين لديهم حدائق خاصة لكنهم لا يستمتعون بها إما لأنها تحتاج إلى صيانة وتعاهد وإما لأنها صغيرة وإما لأن (وهذا الأغلب)، الاستمتاع بالحدائق لا يكون إلا جماعيا أو مع ضيوف أو مجموعة عائلات أو مجموعات أصحاب كما هو الحال في كثير من سلع وخدمات الاستهلاك التي لا يتم التمتع أو يكتمل الاستهلاك لها إلا بصورة جماعية أو شبه جماعية (السلع العامة أو شبه العامة).
فإذا كان وضع الحدائق الخاصة غير عملي ولا يجدي فان التساؤل المباشر عن أهداف هذه الحدائق الخاصة في المنازل هل هي لمجرد الفرجة والشكل والمنظر؟ نعم يبدو أن هذا أهم هدف، إذ لا تتم المتعة بالحديقة الخاصة إلا مع مجموعة ولذلك فإنه غالبا ما ينتظر الرجال أو النساء ليتمتعوا بحدائقهم أن يزورهم ضيوف فيعانون حينئذ كثرة الاستعداد وتجهيز الحديقة للاستقبال، نتيجة لذلك يصبح استخدام الحائق الخاصة في الفلل والاستمتاع بها نادرا أو في بعض المناسبات فتصبح عبئا على العائلة في إنشائها ثم صيانتها ثم نظافتها ثم تهيئتها للاستمتاع .. وهذا لا شك انه يجعل من غير الاقتصاد ولا من الحكمة وجودها أصلا، وهذا ما دعا كثيرا من أصحاب الفلل إلى اختيار البلاط الكامل أو معظمه لأحواش منازلهم والإبقاء فقط على سرحات خفيفة لا تكاد تؤدي إلا منظر أو شكل.
وإذا تجاوزنا النقص في الحدائق العامة المناسبة في الأحياء إلى الخدمات الأخرى فإننا لن نجد إلا القليل من الخدمات الإدارية والاجتماعية واللوجستية في واقع الأحياء (ربما المغسلة و البقالة) فأين مكتب البريد أو ديوانية الجيران أو مكتبة الحي أو المستوصف الخاص الكافي لكل حي على حدة؟ لا توجد هذه الخدمات إلا بعضها لمجموعة أحياء كبيرة، فقد نجد مستوصفا واحدا لمجموعة أحياء كثيرة ونادرا ما تجد في المدينة الواحدة مكتبة عامة حضارية وراقية ومتكاملة الخدمات وذات بيئة مشجعة لتواجد القراء. وغالبا ما تكون المكتبات العامة محدودة العدد والإمكانات ولا تشجع أجواءها على الثقافة والقراءة. وأما تنظيم الخدمات البريدية فلا تزال بعيدة عن تحقيق أي مستوى عملي من حيث وصول البريد إلى المنزل، إذ لا يوجد عنوان دقيق لأي منزل يمكن بواسطته تفعيل صناديق البريد المنزلية.
فإذا تجاوزنا ذلك إلى مكتب للخدمات المرورية أو الأحوال المدنية أو الجوازات فقطعا لن نجد إلا موقعا واحدا فقط لكل منها في المدينة الواحدة الكبيرة كمدينة الرياض أو جدة وغيرهما، ما الذي يمنع أن توجد مكاتب خدمات عامة أو حكومية في مختلف أرجاء مدينة كبيره كمدينة الرياض أو جدة أو غيرها من المدن الكبيرة ؟ هل هو نقص الموارد أم تدني مستوى التخطيط المدني أم عدم وجود الدراسات أم انخفاض التوازن والكفاءة في توزيع الموارد بين مختلف الأولويات؟ أم بعض من كل ذلك ؟ ثم لماذا لا يستفاد من بعض الأفكار المطبقة في بعض الأحياء النموذجية لمدن عالمية وخليجية؟ ولماذا لا توجد رؤية وخطة استراتيجية لكل مدينة يشترك في تكوينها مختلف القطاعات والأفراد لمدينتهم لمدة ثلاثين سنة قادمة؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي