ما الذي يجب بحثه بعد قمة مجموعة العشرين؟

هل وضع اجتماع مجموعة العشرين في لندن الاقتصاد العالمي على طريق الانتعاش المستدام؟ الجواب "لا". مثل هذه الاجتماعات لا تستطيع أن تحل جميع الخلافات الأساسية حول ما الذي سار على نحو خاطئ وكيف يمكن إصلاحه. ونتيجة لذلك، العالم يسير باتجاه انتعاش غير مستدام، كما ذكرتُ في الأسبوع الماضي. والانتعاش غير المستدام أفضل من عدم الانتعاش بالمرة، لكنه ليس جيداً بما فيه الكفاية.
حققت هذه القمة إنجازين: إنجازاً واسعاً وإنجازاً محدداً.
أولاً، "التحاور أفضل من الحرب"، كما لاحظ تشرشل. وفي ضوء شدة الغضب والخوف على العالم، النقاش بحد ذاته يجب أن يكون جيداً.
ثانياً، قررت مجموعة العشرين أن تضاعف موارد صندوق النقد الدولي ثلاث مرات لتصبح 750 مليار دولار، كما قررت دعم حقوق السحب الخاصة بمبلغ 250 مليار دولار - وهي الاحتياطي المتوافر لدى صندوق النقد الدولي. وإذا تم تنفيذ هذه القرارات، ستكون كفيلة بمساعدة الاقتصادات الناشئة الأشد تضرراً على تجاوز الأزمة. كما أنها تؤشر على العودة إلى جدل كبير حول فاعلية النظام النقدي العالمي.
هذه هي النقطة التي ستغشي أنظار قراء لا حصر لهم. ذلك أن من السهل على معظمهم الاعتقاد بأن الأزمة لا تجد تفسيراً لها إلا في انعدام، أو سوء الأنظمة الرقابية على النظم المالية للولايات المتحدة والمملكة المتحدة وبعض البلدان الأخرى. لكن في ضوء حجم الاختلالات العالمية على صعيد الاقتصاد الكلي، من غير المؤكد أبداً أن وجود معايير تنظيمية أعلى وحده كان سينقذ العالم.

#2#

هذا الأمر ليس مجرد أهمية تاريخية فحسب، بل يتعلق أيضاً باستدامة الانتعاش. إن العجوزات المالية الآن عموماً أكثر بكثير في البلدان ذات العجوزات الهيكلية في حساباتها الجارية مما هي في البلدان ذات الفوائض في حساباتها الجارية. والسبب في هذا أن الشريحة الأخيرة تستطيع أن تستورد جزءاً كبيراً من التحفيز الذي قدمته الشريحة الأولى. وتتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن يقفز الدين العام الأمريكي بنسبة 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال ثلاث سنوات. ولذلك من المرجح تماماً أن تندلع الأزمة التالية بسبب ما تعتبر الأسواق أنه دين مالي داخلي كبير في البلدان ذات العجز الهيكلي في حساباتها الجارية، خاصة الولايات المتحدة. وإذا سارت الأمور على هذا النحو، سيكون ذلك لحظة حرجة بالنسبة للنظام الاقتصادي العالمي.
والمثير في الأمر أن البلد الذي يثير هذه الأسئلة هو الصين. وما من شك في أنها تفعل ذلك لأسباب خاصة: الصين قلقة بشأن قيمة احتياطياتها من العملات الأجنبية، ومعظمها مقوم بالدولار الأمريكي، كما أنها تريد إعفاء نفسها من اللوم على الأزمة، وهي ترغب في المحافظة على أكبر قدر ممكن من أنموذج التنمية الذي تتبناه، كما أشك في أنها تحاول تعويض الضغط الأمريكي عليها بشأن سعر صرف الرينمنبي.
لقد عبر وين جياباو، رئيس الوزراء الصيني، عن قلق بلاده بشأن قيمة احتياطياتها الهائلة التي تقدر بنحو 2000 مليار دولار، أو ما يعادل نصف الناتج المحلي الإجمالي لعام 2008. تصور ما كان سيقوله الأمريكيون لو أن حكومتهم استثمرت نحو 7000 مليار دولار (وهو المعادل النسبي للناتج المحلي الإجمالي الأمريكي) في مطلوبات مترتبة على حكومات ليست صديقة. لقد بدأت الحكومة الصينية تدرك خطأها – لكن للأسف بعد فوات الأوان.
في الوقت نفسه، ألقى زهو شياكوان، محافظ بنك الشعب الصيني، سلسلة من الخطابات وقدم العديد من الأوراق حول النظام المالي العالمي والاختلالات العالمية وحول إصلاح النظام النقدي العالمي. وتعتبر هذه الخطابات والأوراق تعبيراً عن وجهة النظر الصينية وإسهاماً في النقاش العالمي حول هذه المواضيع. وربما لا يتفق المرء مع كل ما يقوله، لكن حقيقة أنه يتحدث أمر له دلالته.
يقول زهو إن معدل الادخار في الصين وفي بلدان شرق آسيوية أخرى هو انعكاس للتقاليد، والثقافة، والبنية الأسرية، والسكانية، ولمرحلة التنمية الاقتصادية. وزيادة على ذلك، كما يضيف "هذه الأمور لا يمكن تعديلها ببساطة عبر تغيير سعر الصرف الاسمي". ويصر على أن "معدل الادخار العالمي والاحتياطيات الكبيرة من العملات الأجنبية في البلدان الآسيوية إنما هي نتيجة لردود فعل دفاعية ضد المضاربة الضارية" خاصة إبان الأزمة المالية الآسيوية التي حدثت في 1997-1998.
ويشدد محافظ بنك الشعب الصيني على أنه لا يمكن تغيير أي من هذه الأمور بسرعة. ويضيف: "رغم أن الولايات المتحدة لا تستطيع إدامة نمط النمو الذي يقوم على ارتفاع معدل الاستهلاك وعلى انخفاض معدل الادخار، فإن هذا ليس الوقت المناسب كي ترفع معدل الادخار لديها في اللحظة الراهنة". بعبارة أخرى، لتلجأ الولايات المتحدة للاقتصاد في النفقات، لكن ليس الآن. في هذه الأثناء، يضيف محافظ بنك الشعب الصيني، أن الحكومة الصينية قدمت واحداً من أكبر برامج التحفيز في العالم.
وفضلا عن ذلك، المراكمات الهائلة لاحتياطيات العملات الأجنبية التي ازدادت بمبلغ 5400 مليار دولار في الفترة ما بين كانون الثاني (يناير) 1999 وأعلى مستوى وصلت إليه في تموز (يوليو) 2008 تعكس حاجة الاقتصادات الناشئة للأمان. لكن بما أن الدولار الأمريكي هو عملة الاحتياطي الرئيسية في العالم، فإن العالم يعتمد على الإصدارات النقدية التي تأتي من الولايات المتحدة. وهذا هو السبب في وجود عجز في حسابها الجاري. وأدى ذلك إلى عودة ظهور نقطة ضعف تمت مناقشتها في سنوات الانحطاط لنظام بريتون وودز الخاص بثبات أسعار الفائدة، ذلك النظام الذي انهار في مطلع سبعينيات القرن الماضي مع الإفراط في إصدار عملة الاحتياطي السيادية. والحل بعيد المدى، كما أضاف، هو عملة احتياط "سوبر سيادية".
من السهل أن يعترض المرء على الكثير من هذه الحجج. ذلك أن جزءاً كبيراً من الزيادة غير العادية في المدخرات الكلية للصين ناجم عن تزايد أرباح الشركات. ومن المؤكد أنه يمكن فرض ضريبة على هذه المدخرات الضخمة للشركات، ومن ثم إنفاق جزء منها. ويمكن للحكومة أيضاً أن تقترض أكثر: استناداً إلى توقعات صندوق النقد الدولي بأن تكون نسبة العجز الصيني 3.6 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي هذا العام، يظل هذا العجز متواضعاً بالتأكيد. ومن الصعب أن يصدق المرء أيضاً أن بلداً مثل الصين ينبغي أن يدخر نصف ناتجه المحلي الإجمالي وأن يكون فائض حسابه الجاري بنسبة 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وعلى نحو مشابه، ففي حين أن النظام النقدي العالمي يعاني الخلل حقاً، فإن هذا ليس السبب الوحيد في مراكمة هذا الكم الهائل من احتياطيات العملات الأجنبية. فهناك سبب آخر لذلك وهو الإفراط في الاعتماد على النمو الذي يرتكز على الصادرات.
ورغم ذلك، محافظ بنك الشعب الصيني مصيب في قوله إن جزءاً من الحل طويل المدى لهذه الأزمة يتمثل في نظام لخلق الاحتياطيات يمكن الاقتصادات النامية من إدارة العجز في حساباتها الجارية بصورة مأمونة. وإصدار حقوق السحب الخاصة هو أحد السبل التي تحقق هذا الهدف، من دون تغيير الصفة الأساسية للنظام العالمي.
إن الصين تحاول التحاور مع الولايات المتحدة. وهذا بحد ذاته أمر بالغ الأهمية. ومهما كانت الدوافع الذاتية التي تبحث عنها الصين، فإن هذا شرط ضروري لإجراء نقاش جاد حول الإصلاحات العالمية. لكن يجب على الصين أيضاً أن تفهم نقطة أساسية: إن العالم لا يستطيع أن يستوعب بشكل آمن فوائض الحساب الجاري التي يرجح أن تولدها في ظل مسارها التنموي الحالي. إن بلداً كبيراً بحجم الصين لا يستطيع أن يأمل في الاعتماد على هذه الفوائض الكبيرة في الحساب الجاري كمصدر للطلب. ولذلك يجب زيادة الإنفاق المحلي بشكل كبير ومستدام، على نحو يتناسب مع الناتج المحتمل. إن الأمر بهذه البساطة والصعوبة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي