مؤسسة النقد والقليل من النقد

أرغب في أن أرفع قبعتي احتراما لمؤسسة النقد. ورفع القبعة هو تقليد يقصد به في بعض الحضارات تقديم الاحترام والتقدير للشخص الآخر. وهو عكس رفع العقال في الحضارة المحلية والتي يقصد بها الاستعداد لتأديب الشخص الآخر عن طريق جلدِه!! وللأمانة فمؤسسة النقد إحدى أفضل الجهات الحكومية، وقد كان لها الكثير من الفضل في دعم الاقتصاد الوطني. ولكن ليأذن لي المسؤولون في المؤسسة أن أنتقد بعض السياسات التي تنتهجها المؤسسة، وأرجو أن يتقبلوا هذا النقد، فهي أولا وقبل كل شيء مؤسسة النقد.
طبعا الأزمة المالية رجحت كفة السياسة المتحفظة لمؤسسة النقد وأظهرت أنها كانت سياسة ناجحة. على رأي المتنبي:

كذا قضت الأيام ما بين أهلها مصائب قوم عند قوم فوائد

وقد كان التيار السائد أن السياسة المتحفظة لمؤسسة النقد جنبت الاقتصاد خسائر كبيرة نتيجة للأزمة المالية التي عصفت بالعالم. والحديث عن مؤسسة النقد يكون على أكثر من صعيد، فهناك سياسة التعامل مع البنوك، وهناك السياسة النقدية، وهناك السياسة الاستثمارية، وهو في الحقيقة ما أحب أن أركز عليه في هذا المقال. والحقيقة أن الحديث عن نجاح أية سياسة بحجم سياسة البنك المركزي لدولة في حجم السعودية لا يمكن قياسه بإطار زمني ضيق مدته عدة سنوات. الدراسات أثبتت أن الاستثمار متوسط المخاطر على مدى زمني واسع (لنفترض 30 سنة) وبتنويع كبير جدا يعطي أداء أفضل (حتى بعد عكس أثر المخاطرة) من الاستثمار عديم (أو قليل) المخاطر. ببساطة مؤشرات الأسهم والعقار في العالم مثلا أعطت عائدا أفضل من أداء السندات الحكومية على مدى الـ 30 عاما الماضية. هذا التحفظ من مؤسسة النقد قد تكون له أسبابه الكثيرة جدا، ولكن على الأقل من الناحية الحسابية البسيطة ربما لا يكون أفضل الخيارات. أفضل الخيارات بلا شك هو القدرة على توليد عائد استثنائي والتعامل بشكل يتفوق على عقول اللاعبين في نيويورك ولندن. أسوأ الخيارات بلا شك هو التهور غير المحسوب (طبعا لا يوجد تهور محسوب). مؤسسة النقد اختارت منهجا متحفظا اعتبر الأفضل في وقت الأزمة، ولكن لا أظنه الأفضل على مدى الماضي البعيد. كل ما أقوله اليوم - وقد قامت الأزمة بالكثير لتخفيض أسعار السندات والأسهم والعقارات حول العالم - إن قليلا من المخاطر على تشكيلة جيدة التنويع وعلى مدى زمني طويل لن تكون خيارا سيئا لاستثماراتنا في الخارج.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي