نمو المصرفية الإسلامية.. هل يخدمها؟
بعد مرور ما يقارب ثلاثة قرون على ظهور المصرفية التقليدية، انبثقت منظومة المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية لتحقق الوجود العملي للاقتصاد الإسلامي وتكون إحدى أدواته الفاعلة، ورغم أن عمر المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية يعد يسيرا مقارنة بالعمر الزمني للنظام المصرفي في العالم، إلا أن الخطى التي سارت عليها المصرفية الإسلامية كانت سببا، بعد الله، في نجاحها بشكل كبير لم يتوقعه من قام عليها، فضلا عمن حاربها وتربص بها، وبعد أن تعرض العالم للأزمة المالية التي أدت إلى انخفاض ثقة الناس بالمصرفية التقليدية وأدت إلى ويلات ومصائب سيعانيها العالم فترة من الزمن أثبتت المصرفية الإسلامية صمودها في وجه الأزمة وجاءت الأرقام والنتائج المالية تؤكد ذلك، حينها تنادت أصوات عديد من المسؤولين بالبحث عن نظام بديل للرأسمالية أحيانا أو بتطبيق العمل المصرفي الإسلامي صراحة أحيانا أخرى، بل حتى الفاتيكان نفسه نادى بذلك.
بنظرة سريعة إلى التقارير المالية الصادرة أخيرا نجد أن أغلبها، إن لم يكن كلها، تتوقع مستقبلا واعدا لصناعة المال الإسلامي وأن حجمها سيقارب 1.5 تريليون دولار عام 2010، بل سيصل إلى نحو أربعة تريليونات دولار بحلول 2015، كما تحدثت بعض الدراسات عن سباق محموم بين البنوك العالمية الكبرى لإطلاق نوافذ إسلامية في محاولة للاستفادة من النشاط الذي تشهده الصناعة المالية الإسلامية، ما يؤدي إلى توسع هذه الصناعة جغرافيا، وليس هذا بغريب، فالمصرفية الإسلامية مدعومة سياسيا ودينيا وتجاريا.
إن المستقبل لهذه الصناعة، لا شك أنه من حسن إلى حسن، فأكثر من نصف المسلمين الذين يفوق عددهم المليار مستعدون ـ بحسب تقرير وايمان ـ لترك التعامل بالصناعة التقليدية، إن وجدوا البديل، حتى وإن كان أكثر تكلفة من الصناعة التقليدية، إلا أن السؤال الذي أثيره هنا هو: هل هذا النمو الذي تشهده الصناعة هو في صالحها أم أن من الممكن أن ينعكس ضدها؟! ما يخشى منه هو أن هذا النمو السريع وهذا التوسع الجغرافي إذا لم تطبق فيه المصرفية الإسلامية بوجهها الصحيح فإنه سيسيء للتجربة أكثر مما يفيدها، لذلك فإن المرحلة المقبلة تتطلب عناية أكبر من الهيئات الشرعية والمؤسسات المالية الإسلامية للعمل على تطوير نموذج المصرف الإسلامي الذي تظهر فيه الهوية الحقيقية للمصرف الإسلامي، بحيث تبنى على جوهر القواعد المالية والمصرفية الإسلامية وتؤدي إلى خدمة الاقتصاد والتنمية والرفاهية، لا أن تستمر منتجاتنا كمعاملات صورية أو غير مباشرة أو تكون محاكاة للمنتجات التقليدية، ويجب علينا العناية بتطوير وابتكار منتجات وأدوات مالية جديدة مستمدة من قواعد وأحكام الشريعة الإسلامية وتراعي باهتمام كبير مقاصد الشريعة الإسلامية.
إن التركيز على السلامة الصورية للمنتج وعدم الاهتمام بالسلامة الحقيقية والمقاصدية لو استمر لربما سلكنا بالمصرفية الإسلامية من حيث لا ندري طريقا لا نريده، ثم لا نفيق منه إلا بعد فوات الأوان.
والأمل معقود، في الله، ثم في القائمين على المصارف والمصرفية الإسلامية أن تثمر جهودهم وأن تكون الأعوام المقبلة أعوام المصرفية الإسلامية.