كيف ينبغي للاستثمار العالمي التحرك

في أعقاب مؤتمر الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي في كولومبيا (مؤتمر الأطراف السادس عشر) وفي خضم مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين) في أذربيجان، نجد أنفسنا عند مفترق طرق. إن تغير المناخ وخسارة التنوع البيولوجي ليسا مجرد تهديدين وشيكين يلوحان في الأفق؛ بل إنهما حاضران بالفعل، ويتسببان في تفاقم فجوات التفاوت الاجتماعي، وانعدام الاستقرار الاقتصادي، والتدهور البيئي أمام أعيننا.
بينما تؤثر هذه المشكلات فينا جميعا، فإنها ناجمة بشكل غير متناسب عن البلدان الأكثر ثراء وتضرب البلدان الأكثر فقرا بأعظم قدر من الشدة. وبينما يجتمع زعماء مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو هذا الأسبوع، فإنهم يحسنون صنعا إذا تذكروا أن بلدانهم مسؤولة عن نحو 80% من الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري في الحاضر والماضي، وعلى هذا ينبغي لها أن تكون مسؤولة عن 80% على الأقل من العمل المناخي.
لا ترقى البنية المالية الحالية إلى مستوى مهمة توفير التمويل اللازم للعمل المناخي والتنوع البيولوجي، والذي سيصل إلى ما يقدر بنحو 2.4 تريليون دولار سنويا بحلول عام 2030. وقد فشلت البلدان الغنية مرارا وتكرارا في الوفاء بالتزاماتها التمويلية، وكان تمويل العمل المناخي في عموم الأمر مجزأ، ولا يمكن التنبؤ به، وتهيمن عليه الاستثمارات الخاصة القصيرة الأجل التي تعطي الأولوية للربح على الاستقرار البيئي الطويل الأجل.
من الممكن أن يعمل الاستثمار العام العالمي والنهج القائم على المهام على تغيير هذه الديناميكية. تشكل المهام أهدافا طموحة ومفصلة بوضوح ومحددة زمنيا تعمل على حشد الحلول عبر القطاعات لمشاكل محددة، مع التأكيد على النتائج وليس المخرجات.
والسياسات الموجهة نحو المهمة من الممكن أن تساعدنا على تحويل الاهتمام والتمويل بعيدا عن صناعات أو تكنولوجيات أو شركات بعينها، ونحو تحديات مشتركة، كما يحددها القطاع العام. بهذه الطريقة، يصبح بوسع جميع الصناعات وأنواع الشركات التي تحمل حلولا محتملة أن تسهم في الجهود الأعرض. على سبيل المثال، قد يطلق صناع السياسات مهمة للحد من التلوث البلاستيكي في المحيطات بنسبة 90% بحلول 2040؛ أو إنهاء إزالة الغابات في الأمازون بحلول 2030؛ أو استعادة ما لا يقل عن 30% من الأنظمة البيئية المتدهورة للغابات والمياه الداخلية بحلول 2030.
يقلب الاستثمار العام العالمي هذا النموذج رأسا على عقب. فهو لا يكتفي باقتراح مساهمة كل البلدان ــ بغض النظر عن مستوى الدخل ــ في المنافع العامة العالمية مثل استقرار المناخ وحماية التنوع البيولوجي. بل من المهم أنه يُـشرك أيضا كل البلدان في عملية صنع القرار بشأن مكان وكيفية استثمار الأموال وكيفية تقاسمها، وهذا يمنح بلدان الجنوب العالمي صوتا قويا في تخصيص الموارد.

يستند هذا النهج إلى 3 مبادئ. أولا، تستطيع كل البلدان أن تستفيد من مناخ مستقر وأنظمة بيئية محمية. ثانيا، ينبغي للجميع أن يسهموا على أساس قدراتهم، حتى يكون لكل فرد مصلحة خاصة في الأمر. ثالثا، ينبغي للجميع أن يقرروا، حتى لا يكون الأكثر ثراء فقط هم من يتحكمون في كيفية إنفاق الأموال. من خلال ربط الاستثمار العام العالمي والنهج القائم على المهام، يصبح بوسعنا فتح التمويل اللازم لتلبية أهداف الاستدامة العالمية.
يملك العالم ما يكفي من المال؛ وكل ما يحتاج إليه هو أن يصبح أكثر اتساقا. تحتفظ بنوك التنمية العامة وحدها بأصول بقيمة 22.4 تريليون دولار أمركي تحت الإدارة (20.2 تريليون دولار منها تحتفظ بها بنوك التنمية الوطنية). وإذا تعاونت بنوك التنمية المتعددة الأطراف والوطنية لتحقيق أهداف مشتركة، فإنها قد توفر الحافز الذي نحتاج إليه لحشد رأس المال من القطاع الخاص على نطاق أضخم كثيرا.

خاص بـ"الاقتصادية"

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2024.
www.project-syndicate.org

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي