التحفيز البشري بين"دوجلاس" الأمريكي و"الكرباج" العربي

هل سبق أن استيقظت صباحا، مقبوض الصدر، كارها الذهاب إلى العمل؟ إذا كانت الإجابة بـ"نعم" ، فأنت لست وحدك ، غيرك كثر ، وقد يكون مديرك هو السبب. كيف؟
دوجلاس ماكغريغور ، المفكر الإداري الأمريكي ، قدم للإدارة الحديثة نظرية "إكس" ونظرية "واي" لتفسير التحفيز الإداري. فنظرية "إكس" تقول إن المدير يفترض أن الموظفين بطبيعتهم كسالى ومتلاعبون ومراوغون ويتهربون من العمل، لذلك يحتاجون إلى رقابة ومتابعة مكثفة ومستمرة. تقوم الإدارة بالتالي بوضع أنظمة رقابية وإجراءات قمعية لرصد الموظفين وملاحقتهم. الموظفون بالتالي يشعرون بانعدام الثقة بهم، ويردون بسلوكيات مضادة تقاوم تلك الرقابة الشديدة، فيحاولون التهرب من المسؤولية، والتملص من المهام الموكلة لهم، وتضييع وقت العمل وتصريف الجمهور بعبارات مثل (راجعنا بكرا ، السستم داون)، وكأنهم يريدون بسلوكياتهم تلك إيصال رسالة إلى الإدارة مفادها أنه "مهما راقبتمونا ، فلن نعمل طالما أن الثقة معدومة". بالتالي، يتأكد المدير بل يقتنع أن الموظفين فعلا لا يستحقون الثقة ، فيغلظ عليهم الإجراءات ويهدد بالتعاميم ويلوح بالكرباج، وهم بالتالي يستجيبون بمزيد من المراوغة والتلاعب غير مكترثين.
أحد المديرين كان يظن أنه بتسلطه الإداري المعهود ممسك بزمام الأمور ، فمكتبه يطل على الممر المؤدي إلى مكاتب موظفيه.كلما سمع أحدهم "يخطو" في الممر ليختلس الخروج، يصرخ مناديا المار ، فيرتبك الموظف ويرجع إلى مكتبه. اكتشف الموظفون أن مديرهم ليس ذا قدرات خارقة تمكنه من التعرف على الموظف من وقع الحذاء ، بل لأنه قد جهز مكتبه بطريقة تنعكس فيها صورة الموظف العابر على زجاج الدولاب! اتفق الموظفون على التحايل على مديرهم ، فصار إذا نوى أحدهم الخروج خلسة، طلب من زميله الاتصال بالمدير متظاهرا بالاستفسار عن معاملة ، يرن هاتف المدير فيلتفت إلى الناحية الأخرى ليلتقط السماعة ويجيب على المتصل، بينما زميل المتصل يمر كالبرق من أمام المدير دون أن يرصده "الرادار". اكتشف المدير الحيلة ، فتمادى في البطش ، وتمادى موظفوه بالحيلة، ولم يبق إلا أن يصفد المدير موظفيه بقيود وسلاسل ويكبلهم على المقاعد!
على العكس، تأتي نظرية "واي" فتقول إن الأصل في التحفيز أن المدير ُيحسن الظن بالموظف، ويتعامل معه من منطلق أنه فرد يستحق الثقة وقادر على تحمل المسؤولية ، وأنه بريء حتى يثبت العكس. الموظف بالتالي يتحمس ويثابر ويرتفع أداءه وإنتاجيته حفاظا على تلك الثقة الممنوحة له من مديره.
إحدى الجهات تؤمن بنظرية "واي"، فقررت إلغاء كافة أشكال تسجيل الحضور والانصراف، فلم يعد عندها بيان حضور وانصراف، ولا قلم أحمر للتأشير على المتأخرين، ولا جهاز بصمة أو قزحية. قامت الجهة بإلزام كل موظف بمستوى من الإنتاجية (عدد معين من الأعمال يجب أن ينجز خلال اليوم الواحد). لا يهم الإدارة العليا متى دخل الموظف ومتى خرج =، فهي تدرك أن الشركة ليست مدرسة!. أقصى ما يهمها أن يحقق الموظف أهدافه، ولذلك تمنحه الثقة وتوفر له الموارد والإمكانات. تصور، ماذا حدث بعد ذلك؟ صار الموظف يتحمس للذهاب إلى العمل باكرا لإنجاز النصاب المحدد ، فهو يدرك جيدا أنه إذا تراخى ، تراكم عليه العمل ، وبالتالي سوف ُيحاسب على التقصير. تدخل على مكاتب الموظفين ، فتراهم منكبين على أجهزتهم يعملون بتفان وهدوء، لا أحد يفكر بالتحايل على الإدارة أو تضييع وقت الدوام بجلسات "القدوع" ونقاشات العقار والرياضة.
أنا شخصيا مؤمن بنظرية "واي"، وأدعو كل مدير اتخذ نظرية "أكس" نهجا له أن يرى الجانب الآخر، أدعوه إلى أن يضع بينه وبين موظفيه عهدا لا ينتهك، هذا العهد هو "الثقة"، فيمنحهم إياها، ويحسن الظن بهم، ويتعامل معهم على أنهم "أبرياء" حتى يثبت العكس. فلو تبنى كل مدير تلك النظرية، صدقوني .. لن نجد أحدا يستيقظ وهو يدفع قدميه مكرها إلى العمل!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي