الحل ... في معايير التوظيف

يصنف رجل الأعمال الياباني كازو أنموري الموظفين من حيث الفعالية إلى ثلاث فئات، وهو في هذا التصنيف ينطلق من بعد هندسي بحكم التخصص في هذا المجال، فيقول في تصنيفه إن أداء الموظفين يشبه إلى حد كبير أداء مواد الاحتراق، فمن هذه المواد ما هو ذاتي الاحتراق يشتعل بمجرد ملامسته أول شرارة، والصنف الثاني عبارة عن مواد قابلة للاحتراق تشتعل عندما تكون قريبة من المواد المشتعلة، والصنف الأخير هي مواد غير قابلة ومقاومة للاحتراق، وبالتالي هو ينظر إلى الموظفين من هذه الزاوية فيشبه فعالية الأداء عند الفئة الأولى منهم بالمادة ذاتية الاحتراق، فهؤلاء الموظفون لا يحتاجون لمن يدفعهم للعمل، فهم بطبيعتهم متحفزون ومبادرون يقومون من تلقاء أنفسهم بتنفيذ كل ما يتطلبه الموقف لإنجاز أي مهمة عمل، وهذا النوع من الموظفين يحرص كازو أنموري على توظيفهم في الشركات التي يديرها، أما الصنف الثاني من الموظفين فهم ذلك النوع من العمالة التي لديها الاستعداد للعمل عندما تتواجد حول الصنف الأول من الموظفين، فهم دائما في حاجة لمن يحفزهم ويشجعهم على العمل حالهم كحال المواد القابلة للاحتراق تشتعل متى ما اقتربت من المواد ذاتية الاحتراق، وأما الصنف الأخير فهم الموظفون ذوو الأداء غير الفعال كالمواد غير القابلة للاحتراق لا تشتعل من نفسها ولا عندما تكون بالقرب من المواد المحترقة، ولذلك فهو ينصح بأن يتجنب المديرين توظيف هذا النوع من العمالة لأنهم إن سمحوا بذلك يكونون قد ارتكبوا أكبر خطأ بحق الشركة التي يعملون بها.
عند التأمل في التصنيف آنف الذكر قد نرى وجها كبيرا للشبه بين مستويات الفعالية لمواد الاحتراق مع مستويات الفعالية لأداء العاملين، إلا أننا قد نختلف بعض الشيء مع هذا التصنيف في أن أداء البشر ليس له صفة الثبات على حال واحدة كما هو عليه الحال في المادة، فالعامل يمكنه متى ما رغب ووجد بيئة العمل المناسبة أن يحدث تحولا في مستوى أدائه فيتساوى مع الصنف الثاني أو الأول في فعالية الأداء، لأنه كائن قابل إلى أن يطور من ذاته وأدائه، ولكن هذا لا يقلل من أن هذا التصنيف قد وضع لنا قاعدة جيدة لنوعية العمالة التي يجب أن تبحث عنها المؤسسات والشركات وتركز على استقطابها لكي تحقق أهدافها، فليس من الحكمة عند تشغيل مشروع ما أن يتم تعيين موظفين لا تتوافر فيهم السمات المميزة والمهارة التي تجعلهم أكثر تأهيلا للقيام بالعمل المطلوب.
إن المتابع للنوعية والكيفية التي يتم فيها استقطاب وتعيين العاملين في كثير من المؤسسات يجد أننا بعيدون كثيرا من تطبيق النصيحة التي يدعو لها رجل الأعمال الياباني من حيث التركيز على تعيين الموظفين من الفئة الأولى وتجنب الفئة الثالثة، فالكثير من المؤسسات لا تركز على تعيين الموظفين من ذوي التصنيف الأول في مستوى الفعالية "ذاتي الاحتراق"، التي يفترض فيها أن تتقلد الوظائف القيادية في المستقبل، فتسمح بدلا عن ذلك ولأسباب غير موضوعية بتعيين عمالة من الفئة الثالثة في مستوى فعالية الأداء "غير القابلين للاحتراق"، وهذا ما قد يفسر التدني في مستوى الخدمة عند بعض المؤسسات، فضعف الأداء والشكوى المتكررة من سوء الخدمة يعود في الأساس إلى أن عملية التوظيف لشريحة كبيرة من العاملين في هذا المؤسسات لم تراع مستوى الفعالية لأفرادها قبل التعيين، حيث سمحت بتعيين عدد كبير من الموظفين من المستوى الثالث في فعالية الأداء، ما انعكس سلبا على مستوى أداء المؤسسة ككل عندما تسلم بعض هؤلاء الموظفين مواقع حساسة أو وظائف قيادية، وبالتالي مهما فتشنا عن سبب الضعف في مستوى أداء أي مؤسسة ستجد العامل الرئيس الذي يعود له هذا الضعف هو في معايير وإجراءات التعيين، وستظل هذه المعضلة قائمة إذا استمرت طرق وأساليب التعيين للكفاءات لا تراعي مستوى الفعالية والاستعداد عند العامل وقت التعيين، وكاستنتاج منطقي إذا استمر الخلل في التوظيف سيستمر الخلل في الأداء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي