معوقات الشركات العائلية مابين التنظيم الداخلي والإجراءات القضائية
عندما حاول العم وهيب بن زقر أن يحرك المياه الراكدة قبل عام ونصف ويشرح العقبات التي تعترض مسيرة الشركات العائلية بمقاله بعنوان (قلبٌ للعائلة وعينٌ للعمل ولسانٌ للتعامل) ولعلي أستطيع أن أوجز أهداف مقاله في النقاط التالية:
أولا: تحدث عن كثرة المنتديات والندوات المتخصصة عن الشركات العائلية، وقال إنها محصورة بالقوالب القانونية والمحاسبية وتقاعسها فكراً وتطبيقاً عن متطلبات التطور الطبيعي للتنظيم الداخلي للعائلة وأثرها الذي ينعكس على تعاملاتها مع الأجهزة الحكومية والبنكية، ومع تقديره لهذه الندوات إلا أنها بعيدة عن فهم لب الموضوع وحقيقة المشكلات للشركات العائلية.
ثانياً: التباين والتداخل في النظام القضائي ما بين أملاك الشركة وأملاك التركة في حال الاختلاف مابين الورثة، كذلك عدم وجود آليات في النظام للتفريق بين "كيان" الشركة العائلية وأعمالها وبين التصرفات الإدارية لأفراد العائلة في الشركة.
ثالثاً: شركات "المساهمة" العامة أو المغلقة ليست حلولا جذرية للعمل العائلي لأنها تؤدي إلى ذوبان التأثير العائلي وفوائده في الإدارة واستمرارية مزايا العائلة على العمل، الاستمرارية العائلية لا يوفرها الوجود العائلي في المساهمة عن طريق الأسهم بقدر ما تتطلبه حتمية بقاء قيم العائلة وخبراتهم بتماسكهم بموجب توافق والتزام وتفان مؤسس مكتوب، والالتزام بالاتفاقيات يتطلب ثقافة عائلية يحكمها التفاني في توطيد أواصر الأمانة والثقة والطريقة المثلى الواضحة لاختيار الفرد المناسب للمسؤولية في المكان المناسب من داخل العمل وخارجه.
رابعاً: المكتبة القانونية السعودية مقصرة في توفير الحلول النظامية من تجارب وعبر داخلية وخارجية، ناهيك عن قصور المعلومات في الغرف التجارية.
خامساً: تجنب الشركات العائلية بحث النزاع في المحاكم، والبحث عن الوسائل التوفيقية خوفاً من إجراءات التقاضي الطويلة، لتقع في حلول وقتية تثار من وقت للآخر.
سادساً: عدم وجود تنظيمات إدارية داخل الشركات العائلية، وضعف الرقابة على إدارة الجيل الثاني.
ومنذ ذلك المقال وحتى اليوم سمعنا عن تعثر عشرات الشركات والمؤسسات العائلية ليس بسبب إفلاسها وإنما بسبب (اختلاف الورثة ) ولا تزال الحلول المطروحة نظرية وبعيدة عن إجراءات التطبيق، وتحاول غرفة جدة دخول معترك قانوني مع الجهات المختصة ومعترك اجتماعي لتقبل العائلات التجارية الوصاية الاستشارية بوضع حلول تنفيذية تلزم بها الشركات العائلية لتفادي العقبات المستقبلية، وبالاطلاع على دراسة الأستاذة (نادين راسم) من إدارة الدعم اللوجستي في غرفة جدة عن المعوقات التي تواجه الشركات العائلية ووضعها حلولا تنفيذية تعتمد على تفعيل التعاون ما بين غرفة جدة وقطاع الشركات العائلية الذي يعتبر إحدى أهم السمات الفريدة التي تتسم بها محافظة جدة، وفي حال نجاح مركز الشركات العائلية في غرفة جدة، يمكن تعميم التجربة في باقي مناطق السعودية.
أسهمت الشركات العائلية بشكل كبير في تطوير الاقتصاد الوطني وتنميته، فملاكها يمثلون جيل الرواد الذين استطاعوا تأسيس الكيانات التجارية والصناعية، وأصبحت هذه الكيانات تمثل روافد أساسية للاقتصاد الوطني. والدراسة التي تم إعدادها تسعى لإحداث نقلة نوعية في إدارة الشركات العائلية وفقاً للخطوات التالية:
1- رصد وحصر التجارب الرائدة للشركات العائلية الكبرى (زينل، عبد اللطيف جميل، بن لادن، العليان، الجفالي، بن محفوظ، الراشد، البابطين، الراجحي، بن زقر، المهيدب) للحصول على وثائقهم الخاصة بسياسات الشركاء والهياكل التنظيمية التي ساعدت هذه الشركات على الاستمرار من جيل إلى آخر.
2-استعراض الوثائق وتطويرها على شكل نماذج عملية تمكن الشركات العائلية الأخرى من الاسترشاد بها والاستفادة منها.
3-السعي لإنشاء مركز متخصص ذي صفة قانونية رسمية (على غرار لجنة إصلاح ذات البين) لاستيعاب المنازعات العائلية ومحاولة تسويتها في مراحها الأولى بدعم من وزارة العدل وزارة التجارة والصناعة، مع مشاركة إمارة المنطقة (كجهة تنفيذية سريعة).
4-توفير جهاز إداري متخصص في الغرف التجارية من (مدير، سكرتارية، إداريين) والاستعانة بنخبة من المستشارين القانونيين، المحاسبين القانونيين، والإخصائيين الاجتماعيين.
5-عمل استبيانات توزع على الشركات العائلية لمعرفة آرائهم حول طبيعة الدعم والمساعدة التي يحتاجون إليها وماهية المعوقات النظامية والإدارية للاسترشاد بها عند وضع الحلول.
6-طلب موافقة وزارة العدل للاطلاع على ملفات وقواعد بيانات قضايا الشركات ومشكلات الإرث (التركات) ومشكلات الشركات العائلية لتصنيفها من حيث طبيعة المشكلة، أسبابها، والأحكام الصادرة بشأنها. لتكوين قاعدة بيانات بأهم المشكلات والمنازعات التي قد تتعرض لها الشركات العائلية في المستقبل.
وحيث إن أغلب الشركات العائلية تعاني مشكلات الفصل بين الملكية والإدارة وغياب البناء المؤسسي، إضافة إلى غياب الشفافية المالية بين أفراد العائلة، ومشكلة المركزية في الإدارة، لذلك فإن أهداف الدراسة أن تتبنى غرفة جدة إنشاء مركز قانوني للشركات العائلية الغرض منه توفير جهاز يساندها ويقدم الخدمات التالية:
1-المساهمة في فض المنازعات، وتقييم الاختلافات في وجهات النظر مابين الشركاء في الشركة العائلية، وفي حال عدم التسوية يتم إعداد تقرير قانوني مفصل يرسل إلى المحكمة التجارية للمساهمة في تقليل مراحل التقاضي.
2-دعم عملية الاندماجات بين الشركات العائلية.
3-إعداد الدراسات القانونية والإدارية، واستعراض التجارب المحلية والدولية للشركات العائلية، وتعممها على كافة وسائل الإعلام للمساهمة في خلق ثقافة اقتصادية واجتماعية لدور الشركات العائلية في الاقتصاد الوطني.
ختاماً، إن الشركات العائلية في السعودية هي محور الارتكاز للاقتصاد السعودي، وصاحبة الريادة في التطوير والنهضة الاقتصادية التي تشهدها السعودية، وتتويجاً لهذا الدور لا بد أن تلعب الغرف التجارية دوراً في تطوير هذه الشركات والنهوض بها من الفكر المحلي والتقليدي إلى المتطلبات الحديثة للتجارة الدولية أو على الأقل الإقليمية.