السعوديون والمقيمون.. أنفس مجتمعة وقلوبهم شتى
[email protected]
قضايا الرأي العام، مطلب ملح ورائع للمناقشة والطرح، خصوصاً مع تزايد انفتاح المجتمع السعودي على النقاش والحوار الوطني، وقد شهدنا العام الماضي تقدما في النقاش الوطني لقضايا مثل حقوق المرأة والتعليم، كما تم التركز على قضايا تدريب الشباب السعودي للقضاء على البطالة، وتم التنسيق مع الأجهزة الرسمية ليتفاعل مع هذه القضايا بفاعلية واقتدار.
ومنذ أكثر من عام تقريباً، وفكرة مقال عن العلاقة الطردية بين المواطن السعودي والمقيم النظامي في المملكة العربية السعودية تراودني، وفي كل مرة أتردد خوفاً من عدم قدرتي على شرح الموضوع بشكل إيجابي ومتزن، ولكن هذا المرة قررت أن تكون موضوع مقالتي هذا الأسبوع، حين قرأت تقرير منظمة مراقبة حقوق الإنسان الذي صدر أخيراً. فقد ذكر تقرير منظمة مراقبة حقوق الإنسان، أن حكومات دول الخليج ومن بينها الإمارات والمملكة العربية السعودية والكويت، فشلت في الحد من سوء المعاملة التي تعرض له الخادمات خصوصاً الآسيويات من المواطنين الخليجين.
وقالت جينيفر تيرنر باحثة حقوق المرأة في المنظمة التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها، (تُعرّض حكومات الخليج الخادمات الآسيويات لسوء المعاملة برفضها منحهن يوم راحة أسبوعيا وفرض قيود على حرية حركتهن في أيام العمل وغيرهما من الحقوق المكفولة لمعظم العمال).
وذكرت المنظمة في بيان بمناسبة صدور تقرير مؤلف من 131 صفحة عن معاملة الخادمات السريلانكيات أن أكثر من 660 ألف امرأة سريلانكية يعملن في منازل خارج بلادهن ونحو 90 في المائة منهن في الكويت والسعودية والإمارات ولبنان.
وبشكل عام في دول الخليج أو السعودية تحديداً، تظل القضية أكبر من موضوع الخادمات، بل تمتد إلى العلاقة التعاقدية ونظام الكفيل بين (المواطن) و(المقيم) فهي من أشد العلاقات تعقيداً، ونراها في الجانب الاجتماعي، أصبحت تناقش يومياً في جميع مؤسسات الدولة الحكومية وحتى شبه الحكومية، وفي الجانب السياسي باتت هاجساً مقلقاً للدولة أمام المجتمع الدولي، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أنها أصبحت وسيلة للتدخل في الشؤون النظامية لأي دولة .
وفي الجانب الإعلامي، نراها في أبواب وعناوين صارخة مثل، مناخ الحريات الشخصية والدينية والأقليات والعقوبات والتفرقة والعنصرية، وأخيرا استغلال المقيم غير النظامي برواتب زهيدة.
وحتى لا أبتعد كثيراً وأقحم (السياسة) في مقالتي، على الرغم من أنها موجودة في الأصل، ولكن أقول وبكل صراحة وشفافية إنه ليس من المقبول شرعاً وإنسانيا أن يتعامل المواطن مع الوافد المقيم بأسلوب )الفوقية( أو لغة )الأنا( أو الحرمان من الحقوق النظامية لنظام العمل التي أشار إليها وزير العمل السعودي في تصريحاته الإعلامية. عدم الالتزام ينعكس على جميع الأجهزة الحكومية، خاصة من الشكاوى التي ترد إلى وزارة الخارجية مرورا بوزارة العمل إلى اللجان القضائية العمالية وأخيرا "الجوازات" التي تبدأ معها مرحلة جديدة وهي مشكلات الترحيل.
وطني السعودية الذي تتجاوز مساحته 2.2 مليون كيلو متر مربع موزعة على 13 منطقة وتعداد سكانها 27 مليون منهم سبعة ملايين مقيم، يمثلون 26 في المائة من إجمالي السكان في السعودية، يفرض على المواطن والمقيم على حد سواء التعامل مع الواقع الأخلاقي التي تنبع من أخلاقيات المسلم، أو القول إنهم بحاجة (الآن) إلى أكثر من أي وقت مضى للتقارب والتفاهم مهما كلف الأمر لمصلحة الأمة والعمل لتحب لأخيك المسلم ما تحب لنفسك، حتى لا تكون (الأنفس مجتمعة) في الأرض فيما (قلوبهم شتى)، كذلك ليس من العدل والإنصاف أن يعمم المقيم تجربته السيئة مع كفيله أو مديره أو حتى جاره على جميع المواطنين.
إن أغلب العاملين لدينا من دول إسلامية وعربية، لذلك فإن نظرية التكافل والتعاون بين أفراد المجتمع المسلم يجب أن تنبع من أرض الحرمين الشريفين، كذلك على الوافد المقيم التخلص من الصورة الذهنية النمطية السابقة وهي الشكوى من واقع أو مشكلة هو وضع نفسه فيها بعيداً عن نظام العمل الذي أقرته الدولة، كذلك فالألفية الثانية من العولمة والتنمية الإنسانية كلها تلتقي الآن وتتصالح لمصلحة مشتركة، لذلك فكل الإجلال والتقدير والاحترام لأي مقيم نظامي في بلادنا، وأي بلد نتحدث عنه هنا، أنه بلد الأراضي المقدسة ومهد الحضارة الإسلامية، وكل الأسف على أي سعودي يعكس غير ذلك.
إن محمد، وعبد الله، ومدحت، وبندر، وكاظم، وعلي، وعبد الجبار، ومريم، وأشرف، وأمينة، كلها (أسماء) عربية، يجب أن تجتمع لا أن تتفرق، خصوصاً أن جزءاً كبيراً من تلك الأسماء، بنى حجراً في وطننا، وعلمنا وعلم أبناءنا ولا يزالون.
ولعله من المفيد جداً في هذا الجانب، ونحن في بلد يستقبل سنوياً أكثر من خمسة ملايين معتمر ونحو مليوني حاج، أن نناقش هذه القضية علناً لتكون أحد موضوعات الحوار الوطني الذي تبناه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي أشاد في تصريح له، بثقافة الحوار الآخذة في البزوغ داخل الوطن، وأعرب عن رضاه عن قدرة المواطنين على تبادل الرؤى بشكل أكثر انفتاحا، وقال: "إنه من دواعي السرور رؤية بدء ثقافة الحوار في الانتشار داخل المجتمع السعودي، وقيامنا بمناقشة مشكلاتنا بشفافية، والتحدث بإخلاص حول عوامل قلقنا، وتبادل الرؤى حول كل الأمور". وقال أيضا "إن خير تجسيد لهذه الأطر التي تمس كل ما هو في صالح الإنسان والإنسانية، قد جاءت به الديانات السماوية والمعتقدات الكبرى وما تضمنته الكتب المقدسة، التوراة والإنجيل والقرآن، وما بشر به سيدنا إبراهيم عليه السلام، ولو التفتت المجتمعات والثقافات لهذه المبادئ العظمى لوجدت الكثير مما يجمعها ويقرب بينها ويبعدها عن الصراع ويرتقي بإنسانيتها".
ختاماً، بات من الواجب علينا أن نتعامل بجدية واحترام مع (نظام العمل)، وأن نعترف مع أنفسنا بأننا أسئنا استخدام نظام الكفيل الذي وضعته الدولة لحفظ حقوق الطرفين عملا بالقاعدة الشرعية لا ضرر ولا ضرار، كذلك حان الوقت لأن نلتزم بقوانين وزارة الداخلية حتى لا يتحول المقيم غير الشرعي إلى كارثة قانونية وإنسانية، ونجد أنفسنا وقد غرقنا في قضية (متخلفي العمرة والحج).